مات الرجل الذي كنت أنوي سرقته

[p]هل يمكن أن نطمع بسرقة رجل لا يملك أكثر من قوت يومه؟، نعم، أنا طمعت بسرقة أبي طلال بائع الكتب المستعملة على quot;بسطة ..



07-12-2019 12:07 صباحاً
بيسان القدومي
عضو
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-01-2018
رقم العضوية : 2
المشاركات : 1520
الجنس : ذكر
تاريخ الميلاد : 11-7-1996
الدعوات : 1
قوة السمعة : 10
  

[p]هل يمكن أن نطمع بسرقة رجل لا يملك أكثر من قوت يومه؟، نعم، أنا طمعت بسرقة أبي طلال بائع الكتب المستعملة على "بسطة" بسيطة من صنع يده.

لا أقصد بسرقته أن أسرق من بسطة أبي طلال كتابًا دون أن أدفع ثمنه، فربما جميعنا فعلنا ذلك ثم عدنا في مرة أخرى بخبث المراهقين فدفعنا ثمنه مراوغين على أبي طلال، وربما تجاوزنا المرة الأخرى لعَوَز أو نسيان، وتجاوز المرتين هو، إنما أقصد بسرقته أن أسرقه هو بشخصه بشغفه بكتبه بحالته النادرة، تلك التي لم تسمح للكتاب أن يتحول إلى سلعة برغم طول المدة التي اشتغل فيها أبو طلال بالكتب، أكثر من عشرين سنة، كثيرًا ما سمعنا عن طبيب أو ممرض بعد عدة أعوام من عمله صار يتعامل مع الإنسان كسلعة تفرضها المهنة، أو عمن يشتغلون في المنظمات الإغاثية فكثيرٌ منهم تصبح الحالات الإنسانية لديه كسلع يوضّبها على الرفوف أو يضع عليها ملصقات الأسعار لبيعها، ربما يستطيع الزمن فعلَ ذلك بنا، لكن أبا طلال ظل يلمس كل كتاب كما لمس أول كتاب.

"ما في جديد"، نعم كل ما عنده قديم مستعمل، على الأقل من استعماله هو، ولكن ما قيمة أن يكون الكتاب جديدًا؟ ما قيمة أول استخدام في عالم المعرفة والثقافة؟ وبسبب استعماله الدائم لكل ما عنده كان ملاذًا ومرجعًا لنا، نحن القرّاءَ قراءَهُ، فليس لديه زبائن فهو لا يملك سلعة كما اتفقنا، كان يناقشنا في طلباتنا وبحثنا ويقترح علينا عناوين ومسارات ثقافية ومعرفية، كان يسأل قُرّاءه أحيانًا عما قرؤوه قبل أن يحصلوا على كتاب ما، ليتأكد من أنه الوقت المناسب لقراءة كذا، وهذا أمر خطير على أي قارئ فقد يترك القراءة مَنْ لو قَرَأ ما لم يتجهّزْ له معرفيًا أو ذوقيًا، كان أبو طلال يعرف ذلك، وخاصة في الأدب والرواية، أظنه كان من سَدَنةِ الأدب الروسي أو من حُرّاسه القلائل.

أبو طلال يعرف قيمة الكتاب لا سعره، فقد تحصل على سعرين لكتاب واحد، للأقل دائمًا، وخاصة إذا شعر أبو طلال بضعف قدرتك الشرائية، ومن منا لم يكن مدينًا لأبي طلال بمالٍ إذا أخذ كُتبًا أكثر مما يملك، وسريعًا ما يؤجّله أبو طلال ولو على غير معرفة مسبقة: "أنت ابن حلال بتحاسبني المرة الجاية"، ومن منّا لم يأخذ كتابًا بالمجان على قول أبي طلال: "خود هاد معك"، أو "اقرا هاد مفيد".

عشرون شغفًا والتصاقًا بالكتب التي يحصل عليها من قُراء سابقين ليوصلها إلى قُراء لاحقين بما يسدّ عنه حاجة الاستمرار بالحياة فقط، اثنان وستون هربًا إلى الكلمات من كل ما يحيط به، هذا هو أبو طلال "تحت الجسر"، هناك حيث يُخبِّئُ كنزه ويوزّعه على المهووسين مثله، دمشق تحت "الجسر الرئيس" كان يبني جسره إلينا.

مات أكرم كلثوم ـ أبو طلال المنحدر من مدينة القرّاء والفقراء ـ سلمية، سرقه ملك الموت قبل أن أستطيع سرقته، لكن ـ على قول بوناصر الطفّارـ ألم يستطع أبو طلال أن "يلهيه قليلًا بالقراءة"؟!


لا يمكنك الرد على هذا الموضوع لا يمكنك إضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
مات ، الرجل ، الذي ، كنت ، أنوي ، سرقته ،










الساعة الآن 06:52 PM