شرح قصيدة معلقة زهير بن ابي سلمى امن ام اوفى دمنة لم تكلم
شرح قصيدة معلقة زهير بن ابي سلمى امن ام اوفى دمنة لم تكلم
مدخل: زهير بن أبي سلمى
هو: زهير بن أبي سُلمى، واسم أبي سلمى: ربيعة بن رياح بن قرة بن الحارث بن مازن، وينتهي نسبه إلى: مضر بن نزار بن مَعَدِّ بن عدنان.
وهو أحد الثلاثة المقدَّمين على سائر الشعراء، وإنما اختلفوا في تقديم أحد الثلاثة على صاحبيه. وأما الثلاثة فلا اختلاف فيهم، وهم: امرؤ القيس، وزهير، والنابغة الذبياني.
وكان من حديث زهير، وأهل بيته أنهم كانوا من “مزينة” إحدى قبائل مضر. وكان يقيم هو وأبوه وولده في منازل بني: عبد الله بن غطفان، بالحاجز من نجد، ولذلك كان يذكر في شعره بني مرة وغطفان ويمدحهم.
نشأ زهير فيهم، وهناك قال قصيدته المعلقة يذكر فيها قتل ورد بن حابس العبسي: هَرِمَ بن ضَمْضَم المري، ويمدح فيها هرم بن سنان بن أبي حارثة، والحارث بن عوف، وسعد بن ذبيان المريين لأنهما احتملا ديته من مالهما.
وكان زهير بعد ذلك يكثر من مدح هَرِم وأبيه سنان وله فيهما قصائد غُر. فحلف هرم ألا يمدحه إلا أعطاه ولا يسأله إلا أعطاه ولا يسلم عليه إلا أعطاه عبدًا أو وليدة أو فرسًا. فاستحيا زهير من كثرة بذله له على كل حال، وجعل يتجنب مقابلته.
وكان إذا رآه في محفل قال: “عموا صباحًا غير هَرِم، وخيرَكم استثنيت”.
كان زهير قد رأى في منامه في آخر عمره أن آتيًا أتاه فحمله إلى السماء حتى كاد يمسها بيده، ثم تركه فهوى إلى الأرض، فلما احتضر قصَّ رؤياه على ولده.
كعب. ثم قال: “إني لا أشك أنه كائن من خبر السماء بعدي، فإن كان فتمسكوا به وسارعوا إليه”. ثم توفي قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام بسنة.
وكانت وفاته سنة: 609 لميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام.
امتاز زهير بما نظمه من منثور الحكمة البالغة، وكثرة الأمثال وسنيِّ المدح، وتجنُّب وحشي الكلام، وعدم مدح أحد إلا بما فيه. وقد كان أحسن الشعراء شعرًا، وأبعدهم عن سخف الكلام، وأجمعهم لكثير من المعاني في قليل من اللفظ.
وكان لزهير أخلاق عالية، ونفس كبيرة، مع سعة صدر وحلم وورع، فرفع القوم منزلته وجعلوه سيدًا. وكثر ماله واتسعت ثروته. وكان مع ذلك عريقًا في الشعر.
وكان لشعره تأثير كثير في نفوس العرب. وهو واسطة عقد الفحول من شعراء الطبقة الأولى.
وكان زهير شديد العناية بتنقيح شعره، حتى ضُرب به المثل، وسميت قصائده بالحوليات، نسبة إلى الحول أي السنة، وذلك لأنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، ويهذبها بنفسه في أربعة أشهر، ويعرضها على أصحابه الشعراء في أربعة أشهر، فلا يشهرها حتى يأتي عليها حول كامل.
معلقة زهير أشعر شعره. وقد جمعت ما أشبه كلام الأنبياء، وحكمة الحكماء ففيها الحكمة البالغة، والموعظة الحسنة، والأخلاق الفاضلة، والمعاني العالية والأغراض النبيلة، أضف إلى ذلك ما حوته من الأساليب البلاغية، والكلام الْجَزْل.
شرح معلقة زهير بن أبي سلمى
1- أمِنْ أُمّ أوْفَى دِمْنَةٌ لم تَكَلّمِ :: بِحَوْمَانَةِ الدّرّاجِ فالْمُتَثَلَّمِ
معاني المفردات:
الدّمنة: ما اسوّد من آثار الدار بالبعر والرماد وغيرهما، و. حومانة الدراج والمتثلم: موضعان، وقوله: أمن أم أوفى يعني: أمن منازل الحبيبة المكناة بأم أوفى دمنة لا تجيب؟ وقوله: لم تكلّم، جزم بلم ثم حرك الميم بالكسر؛ لأن الساكن إذا حرِّك كان الأحرى تحريكه بالكسر.
شرح البيت : يقول: أمن منازل الحبيبة المكناة بأم أوفى دمنة لا تجيب سؤالها بهذين الموضعين. أخرج الكلام في معرض الشك ليدل بذلك على أنه لبعد عهده بالدمنة وفرط تغيرها لم يعرفها معرفة قطع وتحقيق.
2- وَدَارٌ لَهَا بالرّقْمَتَينِ كأنّها :: مراجيعُ وشْمٍ في نَواشِرِ مِعْصَمِ
معاني المفردات:
الرقمتان: حرّتان والحُرّة هي الأرض ذات الحجار السود . إحداهما قريبة من البصرة والأخرى قريبة من المدينة. المراجيع: جمع المرجوع،والمقصود الوشم المجدد والمردّد. نواشر المعصم: عروقه، والمعصم: مواضع السوار من اليد والجمع المعاصم.
شرح البيت:
يقول: أمن منازلها دار بالرقمتين؟ يريد أنها تحل الموضعين عند الانتجاع و الانتجاع هو: طلب الكلأ ومساقط الغيث ولم يرد أنها تسكنهما جميعًا؛ لأن بينهما مسافة بعيدة، ثم شبه رسوم دارها بهما بوشم في المعصم قد رُدِّدَ وَجُدِّدَ بعد انمحائه، شبه رسوم الدار عند تجديد السيول إياها بكشف التراب عنها بتجديد الوشم.
و تلخيص الشرح: أنه أخرج الكلام في معرض الشك في هذه الدار أهي لها أم لا، ثم شبه رسومها بالوشم المجدد في المعصم، وقوله: ودار لها بالرقمتين، يريد: وداران لها بهما، فاجتزأ بالواحد عن التثنية لزوال اللُّبس إذ لا ريب في أن الدار الواحدة لا تكون قريبة من البصرة والمدينة؛ وقوله: كأنها، أراد كأن رسومها وأطلالها، فحذف المضاف.
3-
بها العِينُ والأَرْآم يَمشينَ خِلْفَة :: وأطْلاؤهَا يَنْهَضْنَ من كل مِجْثَمِ
معاني المفردات:
قوله: بها العِين أي: البقر العِين، فحذف الموصوف لدلالة الصفة عليه، والعين: الواسعات العيون، الأرْآم: جمع رئم وهو الظبي الأبيض خالص البياض؛ وقوله: خلفة، أي: يخلف بعضها بعضًا إذا مضى قطيع منها جاء قطيع آخر الأطلاء: جمع الطلا وهو ولد الظبية والبقرة الوحشية، والمجثم: موضع الجثوم،
شرح البيت:
يقول: بهذه الدار بقر وحش واسعات العيون، وظباء بيض يمشين بها خالفات بعضها بعضًا وتنهض أولادها من مرابضها لترضعها أمهاتها.
4-
وقفْتُ بها من بعدِ عشرِينَ حِجَّةً :: فلأيًا عَرَفْتُ الدّار بَعْدَ تَوهمِ
يقول: وقفت بدار أم أوفى بعد مضي عشرين سنة من بينها، وعرفت دارها بعد التوهم بمقاساة جهد ومعاناة مشقة، يريد أنه لم يثبتها إلا بعد جهد ومشقة لبعد العهد بها ودروس أعلامها.
5-
أثافِيَّ سُفْعًا فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ:: وَنُؤيًا كجِذْم الحوْضِ لم يتثلَّمِ
معاني المفردات:
الأُثفية والإثْفية: جمعها الأثافِي والأثافِيُّ، بتثقيل الياء وتخفيفها، وهي حجارة توضع القدر عليها، السفع: السود، والأسفع مثل الأسود المعرس: أصل المنزل، من التعريس وهو النزول في وقت السحر المرجل: القدر عند ثعلب من أي صنف من الجواهر كانت. النؤي: نهير يحفر حول البيت ليجري فيه الماء الذي يَنْصَّبُ من البيت عند المطر ولا يدخل البيت. الجذم: الأصل،
شرح البيت:
يقول: عرفت حجارة سودًا تنصب عليها القدر، وعرفت نهيرًا كان حول بيت أم أوفى بقي غير متثلم كأنه أصل حوض، نصب أثافي على البدل في قوله: عرفت الدار؛ يريد أن هذه الأشياء دلته على أنها دار أم أوفى.
الظعائن: جمع ظعينة؛ لأنها تظعن مع زوجها، من الظَعْن والظَعَن وهو الارتحال. بالعلياء أي: بالأرض العلياء أي: المرتفعة. جرثم: ماء بعينه.
شرح الأبيات:
فقلت لخليلي: انظر يا خليلي هل ترى بالأرض العالية من فوق هذا الماء نساء في هوادج على إبل؟ يريد أن الوجد برّح به والصبابة ألَحّت عليه حتى ظن المحال لفرط ولهه؛ لأن كونهن بحيث يراهن خليله بعد مضي عشرين سنة محال. التبصّر: النظر. التحمل: الترحل.
القنان: جبل لبني أسد. عن يمين: يريد الظعائن. الْحَزْن: ما غلظ من الأرض وكان مستويًا. من مُحلّ ومحرم، يقال: حلَّ الرجل من إحرامه وأحل، دخل في أشهر الحل ودخل في أشهر الحرم.
الباء في قوله: علون بأنماط، للتعدية. و أنماط: جمع نمط وهو ما يبسط من صنوف الثياب. العتاق الكرام الواحد عتيق. الكلّة: الستر الرقيق. الوراد: جمع ورد هو الأحمر والذي يضرب لونه إلى الحمرة. المشاكهة: المشابهة. الحواشي لونها لون عندم. العندم: دم الأخوين.
شرح الأبيات:
يقول: وأعلين أنماطًا كرامًا ذات أخطار أو سترًا رقيقًا، أي: ألقينها على الهوادج وغشينها بها، ثم وصف تلك الثياب بأنها حمر الحواشي يشبه ألوانها الدم في شدة الحمرة أو البقم أو دم الأخوين.
10-
وَوَرّكْنَ في السُّوبانِ يَعلونَ مَتْنَهُ :: عَلَيْهِنّ دَلُّ النّاعِمِ الْمُتَنَعّمِ
ماعني المفردات:
السوبان: الأرض المرتفعة اسم علم لها. التوريك: ركوب أوراك الدواب. النعمة: طيب العيش. والتنعم: تكلف النعمة.
شرح البيت:
يقول: وركبت هؤلاء النسوة أوراك ركابهن في حال علوهن متن السوبان، وعليهن دلال الإنسان الطيب العيش الذي يتكلف ذلك.
يقول: وفي هؤلاء النسوان لهو أو موضع لهو للمتأنق الحسن المنظر، ومناظر معجبة لعين الناظر المتتبع محاسنهن وسمات جمالهن.
13-
كأنّ فُتَاتَ العِهْنِ في كلّ مَنزِلٍ :: نَزَلنَ به حَبُّ الفَنا لم يُحَطَّمِ
معاني المفردات:
الفتات: اسم لما انفت من الشيء أي: تقطع وتفرق، العهن: الصوف المصبوغ، والجمع العهون.
شرح البيت:
يقول: كأن قطع الصوف المصبوغ الذي زينت به الهوادج في كل منزل نزلته هؤلاء النسوة حب عنب ثعلب في كل حال غير محطم؛ لأنه إذا حُطِّم زايله لونه، شبه الصوف الأحمر بحب عنب الثعلب قبل حطمه.
14-
فَلَمّا وَرَدْنَ الماء زُرْقًا جِمَامَهُ :: وَضَعْنَ عصيّ الحاضِر الْمُتَخَيِّمِ
معاني المفردات:
الزرقة: شدة الصفاء، الجمام: جمع جم الماء وضع العصى: كناية عن الإقامة؛ لأن المسافرين إذا أقاموا وضعوا عصيهم. التَّخَيُّم: ابتناء الخيمة.
شرح البيت:
يقول: فلمّا وردت هؤلاء الظعائن الماء وقد اشتد صفاء ما جمع منه في الآبار والحياض، عَزَمْنَ على الإقامة كالحاضر المبتني الخيمة.
الجزع: قطع الوادي. القين: كل صانع عند العرب، فالحداد قين، والجزار قين .
القشيب: الجديد. المفأم: الموسع.
شرح البيت:
يقول: علون من وادي السوبان ثم قطعنه مرة أخرى؛ لأنه اعترض لهن في طريقهن مرتين وهن على كل رحل حيري أو قيني جديد موسع.
16-
فَأَقْسَمْتُ بالبَيْتِ الذي طافَ حوْلَهُ :: رِجالٌ بَنَوْهُ من قُرَيشٍ وَجُرْهُمِ
شرح البيت:
يقول: حلفت بالكعبة التي طاف حولها من بناها من القبيلتين. جرهم: قبيلة قديمة تزوج فيهم إسماعيل، عليه السلام، فغلبوا على الكعبة والحرم بعد وفاته عليه السلام، وضعف أمر أولاده، ثم استولى عليها بعد جرهم خزاعة إلى أن عادت إلى قريش، وقريش اسم لولد النضر بن كنانة.
السحيل: المفتول على قوة واحدة. المبرم: المفتول على قوتين أو أكثر،
شرح البيت:
يقول: حلفت يمينًا، أي: حلفت حلفًا، نعم السيدان وجدتما على كل حال ضعيفة وحال قوية، لقد وجدتما كاملين مستوفيين لخلال الشرف في حال يحتاج فيها إلى ممارسة الشدائد وحال يفتقر فيها إلى معاناة النوائب، وأراد بالسيدين هرم بن سنان والحارث بن عوف، مدحهما لإتمامهما الصلح بين عبس وذبيان وتحملهما أعباء ديات القتلى.
التدارك: التلافي، التفاني: التشارك في الفناء. منشم، قيل فيه: إنه اسم امرأة عطارة اشترى قوم منها جفنة من العطر وتعاقدوا وتحالفوا وجعلوا آية الحلف غمسهم الأيدي في ذلك العطر، فقاتلوا العدو الذي تحالفوا على قتاله فقُتلوا عن آخرهم، فَتَطَيَّرَ العرب بعطر منشم وسار المثل به، وقيل: بل كان عطارًا يشترى منه ما يحنَّطُ به الموتى فسار المثل بعطره.
شرح البيت:
يقول: تلافيتما أمر هاتين القبيلتين بعدما أفنى القتال رجالهما وبعد دقهم عطر هذه المرأة أي بعد إتيان القتال على آخرهم كما أتى على آخر المتعطرين بعطر منشم.
19-
وقد قلتما: إنْ نُدْرِك السّلمَ وَاسعًا :: بمالٍ وَمَعْروفٍ من القول نَسلمِ
معاني المفردات:
السلم: الصلح، يذكر ويؤنث.
شرح البيت:
يقول: وقد قلتما: إن أدركنا الصلح واسعًا، أي إن اتفق لنا إتمام الصلح بين القبيلتين ببذل المال وإسداء معروف من الخير سلمنا من تفاني العشائر.
20-
فأَصْبَحْتُمَا منها عَلَى خَيرِ مَوْطِنٍ :: بَعيدَينِ فيها مِنْ عُقُوقٍ وَمَأثَمِ
العقوق: العصيان المأثم: الإثم،
شرح البيت:
يقول: فأصبحتما على خير موطن من الصلح بعيدين في إتمامه من عقوق الأقارب والإثم بقطيعة الرحم، وتلخيص المعنى: إنكما طلبتما الصلح بين العشائر ببذل الأعلاق وظفرتما به وبعدتما عن قطيعة الرحم والضمير في منها يعود إلى السلم، يذكر ويؤنث.
العليا: تأنيث الأعلى، هديتما، دعاء لهما. الاستباحة: جعل الشيء مباحًا،
شرح البيت:
يقول: ظفرتما بالصلح في حال عظمتكما في الرتبة العليا من شرف معد وحسبها، ثم دعا لهما، فقال: هديتما إلى طريق الصلاح والنجاح والفلاح، ثم قال ومن وجد كنزًا من المجد مباحًا واستأصله عظم أمره أو عظم فيما بين الكرام.
22-
تُعَفَّى الكُلومُ بالْمِئينَ فَأَصْبَحتْ :: يُنَجّمُهَا مَنْ لَيْسَ فيها بِمُجْرِمِ
معاني المفردات:
الكلوم والكلام: جمع كَلْم وهو الجرح، التعفية: التمحية ينجِّمها أي: يعطيها نجومًا. و ينجِّمها:قسطها أقساطًا متفرقة على فترات معلومة.
شرح البيت:
يقول: تمحى وتزال الجراح بالمئين من الإبل، فأصبحت الإبل يعطيها نجومًا من هو بريء الساحة بعيدًا عن الجرم في هذه الحروب يريد أنهما بمعزل عن إراقة الدماء وقد ضمنا إعطاء الديات ووفيا به وأخرجاها نجومًا وكذلك تعطى الديات.
التلاد و التليد: المال القديم الموروث. المغانم: جمع المغنم وهو الغنيمة. شتى أي: متفرقة. الإفال: جمع أفيل وهو الصغير السن من الإبل. المزنَّم: المعلم بزنمة و الزنمة: قطعة من أذن البعير تقطع وتترك معلقة.
شرح البيت:
يقول: فأصبح يجري في أولياء المقتولين من نفائس أموالكم القديمة الموروثة غنائم متفرقة من إبل وصغار معلمة، وخص الصغار؛ لأن الديات تعطي من بنات اللبون أي الناقة ذات اللبن والحقاق البعير الذي يمكن أن يحمل عليه والأجذاعابن الناقة في سنته الخامسة ، ولم يقل المزنمة وإن كان صفة الإفال حملًا على اللفظ؛ لأن فعالًا من الأبنية التي اشترك فيها الآحاد والجموع، وكل بناء انخرط في هذا السلك ساغ تذكيره حملًا على اللفظ.
25-
ألا أَبْلِغِ الأحْلَافَ عني رِسَالَةً :: وَذُبْيانَ هل أقسَمتمُ كلَّ مُقسَمِ
الأحلاف والحلفاء: الجيران،
أقسم أي: حلف،
شرح البيت:
يقول: أبلغ ذبيان وحلفاءها وقل لهم: قد حلفتم على إبرام حبل الصلح كل حلف فتحرجوا من الحنث وتجنبوا.
يقول: لا تخفوا من الله ما تضمرون من الغدر ونقض العهد ليخفى على الله، ومهما يكتم من شيء يعلمه الله، يريد أن الله عالم بالخفيات والسرائر ولا يخفى عليه شيء من ضمائر العباد، فلا تضمروا الغدر ونقض العهد فإنكم إن أضمرتموه علمه الله؛ وقوله: يكتم الله، أي يكتم من الله.
أي يؤخر عقابه ويرقم في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل العقاب في الدنيا قبل المصير إلى الآخرة فينتقم من صاحبه، يريد لا مخلص من عقاب الذنب آجلا أو عاجلًا.
الذوق: التجربة، الحديث الْمُرجَّم: الذي يرجم فيه بالظنون أي يحكم فيه بظنونها.
شرح البيت:
يقول: ليست الحرب إلا ما وعدتموها وجربتموها ومارستم كراهتها، وما هذا الذي أقول بحديث مرجّم عن الحرب، أي هذا ما شهدت عليه الشواهد الصادقة من التجارب وليس من أحكام الظنون.
29-
مَتى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوها ذَميمَةٌ :: وتَضْرَ إذا ضَرّيْتُمُوها فتَضْرَمِ
معاني الكلمات:
الضّرى: شدة الحرب وتضرمت: التهبت نارها ،
شرح البيت:
يقول: متى تبعثوا الحرب تبعثوها مذمومة أي تذمون على إثارتها، ويشتد ضرمها إذا حملتموها على شدة الضرى فتلهب نيرانها، وتلخيص المعنى: إنكم إذا أوقدتم نار الحرب ذممتم، ومتى أثرتموها ثارت وهيجتموها هاجت. يحثّهم على التمسك بالصلح، ويعلمهم سوء عاقبة إيقاد نار الحرب.
ثفال الرحى: خرقة أو جلدة تبسط تحتها ليقع عليه الطحين.اللقح واللقاح: حمل الولد، الكشاف: أن تلقح النعجة في السنة مرتين. أنتجت الناقة إنتاجًا: إذا ولدت. الإتآم: أن تلد الأنثى توأمين،
شرح البيت:
يقول: وتعرككم الحرب عرك الرحى الْحَبَّ مع ثفاله، وخص تلك الحالة لأنه لا يبسط إلا عند الطحن، ثم قال: وتلقح الحرب في السنة مرتين وتلد توأمين، جعل إفناء الحرب إياهم بمنزلة طحن الرحى الحب، وجعل صنوف الشر تتولد من تلك الحروب بمنزلة الأولاد الناشئة من الأمهات، وبالغ في وصفها باستتباع الشر شيئين: أحدهما جعله إياها لاقحة كشافًا، والآخر إتآمها.
يقول: فتولد لكم أبناء في أثناء تلك الحروب كل واحد منهما يضاهي في الشؤم عاقر الناقة ثم ترضعهم الحروب وتفطمهم، أي تكون ولادتهم ونشوؤهم في الحروب فيصبحون مشائيم على آبائهم.
32-
فَتُغْلِل لكم مَا لا تُغِلّ لأَهْلِها :: قُرىً بالعراقِ من قَفِيزٍ وَدِرْهَمِ
معاني المفردات:
تغلّ الأرض إذا كانت لها غلة،و المراد الاستهزاء بهم والتهكم .
شرح البيت:
يقول: فتغل لكم الحروب حينئذ ضروبًا من الغلات لا تكون تلك الغلات لقرى من العراق التي تغل الدراهم بالقفيزات؛ وتلخيص المعنى أن المضار المتولدة من هذه الحروب تُرْبي على المنافع المتولدة من هذه القرى، كل هذا حث منه إياهم على الاعتصام بحبل الصلح، وزجر عن الغدر بإيقاد نار الحرب.
33-
لَعَمْري لَنِعْمَ الْحَيّ جَرّ عليهِمُ :: بما لا يُؤاتيهمْ حُصَينُ بن ضَمضَمِ
معاني المفردات:
جر عليهم: جنى عليهم، يؤاتيهم : يوافقهم،
شرح البيت:
يقول: أقسم بحياتي لنعمت القبيلة جنى عليهم حصين بن ضمضم، وإن لم يوافقوه في إضمار الغدر ونقض العهد. فقد قتل وردُ بن حابس العبسي هرمَ بن ضمضم قبل هذا الصلح، فلما اصطلحت القبيلتان عبس وذبيان استتر وتوارى حصين بن ضمضم لئلا يطالب بالدخول في الصلح، وكان ينتهز الفرصة حتى ظفر برجل من عبس بواء بأخيه فشد عليه فقتله فركبت عبس فاستقر الأمر بين القبيلتين على عقل القتيل.
الكشح: منقطع الأضلاع ويقال: طوى كشحه على كذا أي أضمر في صدره. الاستكنان: طلب الكن، والاستكنان الاستتار،
شرح البيت:
يقول: وكان حصين أضمر في صدره حقدًا وطوى كشحه على نية مستترة فيه ولم يظهرها لأحد ولم يتقدم عليها قبل إمكانه الفرصة. يقول: لم يتقدم لما أخفى فيجعل به، ولكن أخره حتى يمكنه.
الشدة: الحملة، الإفزاع: الإخافة، أم قشعم: كنية المنية.
شرح البيت:
يقول: فحمل حصين على الرجل الذي رام أن يقتله بأخيه، ولم يفزع بيوتًا كثيرة أي: لم يتعرض لغيره عند ملقى رحل المنية، وملقى الرحل: المنزل؛ لأن المسافر يلقي به رحله، أراد عند منزل المنية. وجعله منزل المنية لحلولها ثُمّ بمن قتله حصين.
شاكي السلاح : تام السلاح، كله من الشوكة وهي العدة والقوة. مقذف أي: يقذف به كثيرًا إلى الوقائع، اللبد: جمع لبدة الأسد وهي ما تلبد من شعره على منكبيه.
شرح البيت:
يقول: عند أسد تام السلاح يصلح لأن يرمى به إلى الحروب والوقائع، يشبه أسدًا له لبدتان لم تقلّم براثنه، يريد أنه لا يعتريه ضعف ولا يعيبه عدم شوكة كما أن الأسد لا يقلم براثنه، والبيت كله من صفة حصين.
يقول: وهو شجاع متى ظلم عاقب الظالم بظلمه سريعًا وإن لم يظلمه أحد ظلم الناس إظهارًا لغنائه وحسن بلائه، والبيت من صفة أسد في البيت الذي قبله وعنى به حصينًا ثم أضرب عن قصته ورجع إلى تقبيح صورة الحرب والحث على الاعتصام بالصلح.
39-
رَعَوا ظِمْأَهُمْ حتى إذا تَمّ أَوْرَدوا :: غِمارًا تَفَرّى بالسّلاحِ وبالدّمِ
معاني المفردات:
الرعي : رعت الماشية الكلأ، الظِّمْء: ما بين الوردين والجمع الأظماء، الغمار: جمع غمر وهو الماء الكثير. التفرّي: التشقّق
شرح البيت:
يقول: رعوا إبلهم الكلأ حتى إذا تم الظمء أوردوها مياهًا كثيرة، وهذا كله استعارة، والمعنى أنهم كفوا عن القتال وأقلعوا عن النزال مدة معلومة كما ترعى الإبل مدة معلومة، ثم عادوا الوقائع كما تورد الإبل بعد الرعي، فالحروب بمنزلة الغمار ولكنها تنشق عنهم باستعمال السلاح وسفك الدماء.
40-
فَقَضّوْا مَنايا بَيْنَهُمْ ثُمّ أصدَروا :: إلى كلأ مُسْتَوْبِلٍ مُتَوَخِّمِ
معاني المفردات:
قضَيت الشيء وقضّيته: أحكمته وأتممته. أصدرت: ضد أوردت. استوبلت الشيء: وجدته وبيلًا، واستوخمته و توخمته: وجدته وخيمًا. والوبيل والوخيم: الذي لا يستمر.
شرح البيت:
يقول: فأحكموا وتمموا منايا بينهم، أي: قتل كل واحد من الحيين صنفًا من الآخر، فكأنهم تمموا منايا قتلاهم ثم أصدروا إبلهم إلى كلأ وبيل وخيم، أي: ثم أقلعوا عن القتال والقراع واشتغلوا بالاستعداد له ثانيًا كما تصدر الإبل فترعى إلى أن تورد ثانيًا، وجعل اعتزامهم على الحرب ثانية والاستعداد لها بمنزلة كلأ وبيل وخيم، جعل استعدادهم للحرب أولًا وخوضهم غمراتها وإقلاعهم عنها زمانًا وخوضهم إياها ثانية بمنزل رعي الإبل أولًا وإيرادها وإصدارها ورعيها ثانيًا، وشبه تلك الحال بهذه الحال، ثم أضرب عن هذا الكلام وعاد إلى مدح الذين يعقلون القتلى ويَدُونها.
يقول: أقسم ببقائك وحياتك أن رماحهم لم تجن عليهم دماء هؤلاء المسمّين، أي لم يسفكوها ولم يشاركوا قاتليهم في سفك دمائهم، والتأنيث في شاركت للرماح يبين براءة ذممهم عن سفك دمهم ليكون ذلك أبلغ في مدحهم بعقلهم القتلى.
الخبط: الضرب باليد، العشواء: تأنيث الأعشى وهي الناقة التي لا تبصر ليلًا.
قوله: ومن تخطئ أي ومن تخطئه العشواء ، يعمَّر: التعمير: تطويل العمر.
شرح البيت: يقول: رأيت المنايا تصيب الناس على غير نسق وترتيب وبصيرة، كما أن هذه الناقة تطأ على غير بصيرة، ثم قال: من أصابته المنايا أهلكته ومن أخطأته أبقته فبلغ الهرم.
شرح البيت: يقول: ومن جعل معروفة ذابًّا ذم الرجال عن عرضه، وجعل إحسانه واقيًا عرضه وفر مكارمه، ومن لا يتق شتم الناس إياه شُتِم؛ يريد أن من بذل معروفه صان عرضه، ومن بخل معروفه عرَّض عرضه للذم والشتم.
شرح البيت:يقول: ومن وضع أياديه في غير من استحقها، أي من أحسن إلى من لم يكن أهلًا للإحسان إليه والامتنان عليه، ذمَّه الذي أُحسن إليه ولم يحمده، وندم المحسن الواضع إحسانه في غير موضعه.
معاني المفردات : الزِّجاج، جمع زُجّ الرمح : وهو الحديد المركب في أسفله،
شرح البيت: يقول: ومن عصى أطراف الزجاج أطاع عوالي الرماح التي ركّبت فيها الأسنة الطوال؛ والجمع العوالي، إذا التقت فئتان من العرب سددت كل واحدة منهما زجاج الرماح نحو صاحبتها وسعى الساعون في الصلح، فإن أبتا إلا التمادي في القتال قلبت كل واحدة منها الرماح واقتتلتا بالأسنة. وتحرير المعنى: من أبى الصلح ذللته الحرب وليَّنته،
شرح البيت: يقول: من سافر واغترب حسب الأعداء أصدقاء؛ لأنه لم يجربهم فتوقفه التجارب على ضمائر صدورهم، ومن لم يكرم نفسه بتجنب الدنايا لم يكرمه الناس.
58- وَمَهْمَا تكنْ عند امْرِئٍ من خَلِيقَةٍ :: وَإِنْ خَالها تَخْفَى على النَّاسِ تُعْلَمِ
شرح البيت : يقول: ومهما كان للإنسان من خلق فظن أنه يخفى على الناس علم ولم يَخْفَ، والخلق والخليقة واحد، والجمع الأخلاق والخلائق، وتحرير المعنى: أن الأخلاق لا تخفى والتخلّق لا يبقى .
يقول: سألناكم رفدكم ومعروفكم فجدتم بهما، فعدنا إلى السؤال وعدتم إلى النوال، ومن أكثر السؤال حرم يومًا لا محالة. والتسآل: السؤال: وتفعال من أبنية المصادر.