منتدى معلمي الاردن
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://www.jo-teachers.com/forum/t8792
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

تعميق الانقسامات
بيسان القدومي 06-05-2020 08:00 مساءً
تأليف: ديدييه فاسين

ترجمة وعرض: نضال إبراهيم

مع الاستقطابات السياسية المتزايدة، خاصة من قبل اليمين في أوروبا، نجد أن الانقسامات تتوسّع يوماً بعد الآخر، ويتم الحديث عن ضرورة إغلاق الحدود في وجه اللاجئين، وممارسة المزيد من السياسات التي تظهر اختلافاتهم الاجتماعية والثقافية القائمة على اختلافهم العرقي. يحاول هذا الكتاب مناقشة هذه الحالة، من خلال مجموعة مقالات حول نماذج من خمس قارات، بغية التخفيف من الانقسامات في عالم اليوم.

أظهرت أزمة اللاجئين في أوروبا كيف يتم في كثير من الأحيان استخدام الحدود العرقية والإثنية لتبرير تعزيز حدود الدولة، بغض النظر عن الكلفة الباهظة في الأرواح البشرية. ولكن هناك أمثلة أخرى، أقل مأساوية، توضح هذا التداخل أيضاً، وتُظهر في نهاية المطاف أنه من الأفضل فهم مجالات الحدود المتباينة كثيراً من خلال علاقتها مع بعضها. يستكشف كتاب «تعميق الانقسامات» هذه العلاقة من خلال العديد من وجهات النظر والسياقات الوطنية المتميزة، حيث تغطي دراسات الحالة خمس قارات، وتستند إلى الأنثروبولوجيا والدراسات الجنسانية والقانون والعلوم السياسية وعلم الاجتماع للحصول على مجموعة متعددة التخصصات.

يتألف هذا الكتاب من مجموعة مهمة من المقالات التي توضح كيف أن التمييز العنصري والجنساني والطبقي أساسي في تبرير حق الدولة في استبعاد الأفراد. يتضمن الكتاب دراسات حالة من خمس قارات ومساهمات متعددة التخصصات، ويناقش فيها الهجرة والحقوق الإقليمية في القرن الحادي والعشرين.

يجمع الكتاب بين ظاهرتين متميزتين تتم مقاربتهما عادة في مسارات منفصلة من البحث: كيف تقوم أنظمة الهجرة بتقييد الحدود الإقليمية للدول، وكيف يؤدي التمييز بين مجموعات الأقليات والتمييز ضدها إلى إنشاء حدود اجتماعية داخل الدول؟ ويأتي هذا الكتاب كجزء من سلسلة الأنثروبولوجيا والثقافة والمجتمع ضمن منشورات دار «بلوتو بريس»، وهو صادر في ديسمبر 2019 ضمن 272 صفحة باللغة الإنجليزية.

تداخل الحدود

يقول الكاتب: «إن الأمثلة السابقة والحالية على تداخل الحدود كثيرة، بدءاً من قمع الرعايا المستعمرين الجزائريين في أوائل القرن العشرين إلى اضطهاد التيبتيين في الصين، والروهينجا في ميانمار، والأكراد في تركيا في الوقت الحالي».

ويضيف: «كما أن الوضع الحالي للفلسطينيين هو حالة معاصرة في هذا الصدد، مع ما نراه من تخفيض دائم لمساحة المعيشة في الأراضي المحتلة، من خلال توسيع المستوطنات، وتدمير الحقول، وبناء الجدران، وتزايد الحرمان من الحقوق المدنية لعرب 48 المقيمين منهم في«إسرائيل»، عن طريق التمييز الديني والعرقي، والذي يتم إدراجه بشكل متزايد في القانون».

يرى الكاتب أن «أزمة اللاجئين مؤخراً في أوروبا كشفت كيف أن السيطرة على الحدود بأي ثمن من حيث أرواح البشر (تم الإبلاغ عن أكثر من 15000 حالة وفاة في المتوسط بين عامي 2014 و2018) كانت مرتبطة بإعطاء الأولوية للاختلافات (الحدود) العنصرية والإثنية بدلاً من الحدود الوطنية، والتي عملت على تبرير السياسات».

ويعلق على ذلك: «لكن تاريخ الحدود المتداخلة (الوطنية) والحدود (الاختلافات العرقية) لحسن الحظ لا يتسم دائماً بصورة مأساوية، حتى لو كان لا يزال يمثل مشكلة كبيرة عندما يفكر المرء في كيفية تحرك سوق العمل والسياسات الإسكانية والمسائل القانونية، وحتى الرياضية».

احتجاج ضد التمييز

يقدم المؤلف العديد من الأمثلة، يبدأ من أوروبا قائلاً: «تتسم قضية شعوب الرّوما ( الغجر) في أوروبا بأهمية خاصة، على الرغم من أنهم مواطنون من رومانيا أو بلغاريا أو هنغاريا، أي ينتمون إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أنهم يعاملون كأجانب وحتى يتم ترحيلهم أيضاً.. يظهر هذا التداخل في الانتقال بين الأجيال اللاحقة من المهاجرين القادمين مما يسمّى الجنوب العالمي، حيث يعاني أطفالهم العرقيون أو الإثنيون المولودين في البلد المضيف، من جهة الدولة والمجتمع عموماً، الحدود التي يجدونها في وجوههم من خلال عدم الاعتراف بهم كمواطنين بشكل كامل أو، عندما تفعل الدول المضيفة ذلك، فلا يكون الأمر على قدم المساواة».

«ومن المثير للاهتمام، في جيل الآباء، كان هناك احتجاج قليل على التمييز الصارخ الذي وقعوا ضحية له، لأنهم، كأجانب، شعروا أنه ليس لديهم خيار آخر سوى أن يستسلموا لوضعهم غير الشرعي، بينما في جيل الأطفال، لم يعد هناك تسامح مع التمييز، لأن هؤلاء المواطنين الفرنسيين، مثلاً، الذين ولد أغلبهم في فرنسا، أصبح من غير المنصف معاملتهم على أنهم غير شرعيين»، كما يقول المؤلف.

ويجد أن «ربط الحدود الإقليمية الوطنية والحدود العرقية-الإثنية أمر حاسم لأسباب علمية (لفهم الانقسامات العميقة في المجتمعات المعاصرة) وكذلك السياسية (بسبب الشعور بالإلحاح الناتج عن الوضع الحالي). لكن في الواقع، هذا الاتصال أكثر تعقيداً مما هو مقترح في الكتاب. من ناحية، فإن الحدود الأكثر صلة ليست بالضرورة حدود الأراضي الوطنية. يمكن أن تكون الحدود دولية، كما كانت الحال مع الإمبراطورية البريطانية، وكما هي الحال مع الاتحاد الأوروبي اليوم، وخاصة في سياق تجسيد السيطرة على الهجرة خارج الحدود، في تركيا وليبيا، والمغرب. يمكن أن تكون أيضاً على المستوى الداخلي، كما هي الحال في أيرلندا أثناء ما يسمى بالمشكلات بين القوميين والنقابيين، أو برلين، مع تقسيم المدينة فعلياً إلى قسمين خلال الحرب الباردة بواسطة الجدار، حيث بقيت الآثار الرمزية لها لفترة طويلة بعد تدميره.

من ناحية أخرى، ليست الحدود هي في الصيغة الإثنية-العرقية فقط حتى لو كان هذا مكوناً رئيسياً من حدود الدول».

كما أنها (الحدود) تنطوي على الدين، كما يتضح من الأمثلة السابقة للولايات المتحدة وفرنسا، وكذلك الطبقة والجنس والميول الجنسية. يبدو أن الطبقة الاجتماعية عنصر مهم في التمييز بين المطلوبين وغير المرغوب فيهم، وكذلك في النقاش العام حول الهجرة الانتقائية من وجهة نظر المؤلف.

يلعب الجانب الاجتماعي دوراً أقل وضوحاً، ولكن ليس أقل أهمية في الشبكات العابرة للحدود الوطنية ومراقبة الحدود، بما في ذلك العمل في الجنس والعمالة المنزلية. كما يشير الكاتب إلى أنه تم تحليل الإعاقة كمصدر للتمييز على الحدود باسم ما يُنتقد ك «التحيّز ضد المعاقين». ولكن بدلاً من معاينة هذه الحدود بشكل فردي، من المنطقي أن يتم استيعابهم من منظور متعدد القطاعات يكشف التفاعلات بين الخصائص الإثنية أو العرقية، والدين، والطبقة، والجنس، والإعاقة.

بين السياسة والأخلاق

يتناول الجزء الأول من الكتاب، الاقتصاديات السياسية والأخلاقية في العمل في العلاقات بين الحدود على نطاق عالمي وداخل السياقات الوطنية. ويقول الكاتب هنا: «نعني بالاقتصاديات السياسية إنتاج السلع والخدمات وتداولها والاستحواذ عليها، في حين نعني بالاقتصادات الأخلاقية إنتاج القيم وتداولها والاستحواذ على قيمها وتأثيراتها. لكلا البعدين عواقب وخيمة على الطريقة التي يتم بها التعامل مع الهجرة ومعاملة المهاجرين من قبل الدول وكذلك المجتمعات».

ينتقل الجزء الثاني من الكتاب إلى التمييز العرقي والإثني الناتج عن النصوص القانونية والأعراف الاجتماعية. ويقوم المؤلف بذلك بشكل ملحوظ من خلال النظر في سوابق تاريخية إلى اللحظة الراهنة، محاولاً إتاحة الفرصة لتجنب عيوب الحاضر.

ويوضّح الكاتب ذلك بقوله: «في الولايات المتحدة، يقدم«الحظر الإسلامي» لإدارة ترامب أوجه تشابه مثيرة للاهتمام مع تدابير استبعاد سابقة تم تبنيها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. والأكثر شهرة هو قانون الاستبعاد الصيني لعام 1882، والذي كان الأول من نوعه ضد فئة من الأجانب. تم التصويت على هذا القانون من قبل الكونجرس، وعندما تم الطعن فيه بعد ذلك بفترة، قضت المحكمة العليا بأن الأمر يتعلق بالأمن القومي، وأن الحكومة، بالتالي، كان لها الحق السيادي في رفض الأجانب وترحيلهم. مهد هذا القرار الطريق لتدابير الإقصاء المستقبلية».

ويضيف على كلامه: «تم سن التشريع في سياق العنف العنصري ضد الصينيين، مما ساهم في إضفاء الشرعية. كما ألهم إقرار قانون الهجرة في عام 1917، والمعروف أيضاً باسم قانون المنطقة المحظورة الآسيوية، والذي، كما توضح شيرلي مونشي في مقالها ضمن هذا الجزء، كان وسيلة ملطفة لتسمية ما كان في الواقع«حظراً هندوسياً»، وهو التعريف الجغرافي لهؤلاء المستبعدين لتجنب لغة عنصرية حتى في الشكل المقنع للتخطيط الوطني. ومع ذلك، فقد تم التعبير بوضوح عن العنصرية الصارخة في مناقشات الكونجرس في ذلك الوقت. وهكذا، في استثناء كل من الصين والهندوس، فإن السيطرة المزعومة على الحدود الوطنية لم تكن أقل من تبني الحدود العرقية من قبل الدولة».

ادعاءات راديكالية

ينظر الجزء الثالث والأخير في الحدود من منظور مكاني، إما كخط يفصل بين إقليمين أو، على نحو غير محدد، كترسيم لمنطقة ملاذ، لأجل الأهداف العسكرية في المنطقة المحرمة، وأخيراً لأغراض اقتصادية في المناطق الحرة. توضح المقالات في هذا الجزء أن كلاً من الخطوط والمناطق هي نتيجة لعمليات وضع الحدود.

يقول الكاتب موضحاً: «هذه العمليات يمكن استخدامها للحماية». هذا ما توضحه الكاتبة ليندا بوسنك مع تطور ممارسات الملاذ في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى استجابة لسياسات الهجرة المتزايدة القسوة. وهكذا، تُعلن بعض المدن عن نفسها كملاذ آمن في أعراف وتقاليد مواقع اللجوء القديمة التي يمكن أن تجد فيها فئات مختلفة من الناس ملجأ، وبالتالي لا يمكن اليوم اعتقال المهاجرين غير الشرعيين.

تتنوع الحجج المستخدمة لتبرير هذه الممارسات، من المبادئ الإنسانية والمصلحة الذاتية العملية إلى الأفكار الأوسع للعدالة وحتى الادعاءات الراديكالية بحق الإقامة لأولئك الذين استقروا في بلدهم المضيف.

ويوضح قائلاً: في نفس الوقت الذي تنتج فيه هذه الحركات حدوداً داخلية تحدّد الملاذات التي لا تستطيع فيها الدولة الفيدرالية في الولايات المتحدة إنفاذ قانونها، فإنها تبني حدوداً قانونية بين أولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى تدابير معينة، مثل قانون التنمية والإغاثة والتعليم للقاصرين الأجانب لعام 2001، المعروف اختصاراً باسم (دريم).

على النقيض من منطق الحماية هذا، يعلق الكاتب قائلاً:«فإن صنع الحدود السياسية والثقافية والاجتماعية يمكن أن ينطلق من منطق الاستلاب والقمع. ففي مقالها «الأرض المحرمة على الحافة الشمالية لقطاع غزة» ضمن الجزء الأخير، تصف إيلانا فيلدمان مصير بلدة صغيرة تأثرت باحتلال طويل الأمد من قبل الكيان «الإسرائيلي» والهجمات المميتة المتكررة من قبل جيشه. توضح فيلدمان أن حلقات التدمير تجاه الفلسطينيين وأرضهم تضاعفت منذ إنشاء «إسرائيل» في عام 1948».

يشير الكاتب إلى أن النكبة لم تؤسس حدوداً بين الدولة الجديدة والأراضي المحتلة فحسب، بل خلقت أيضاً حدوداً اجتماعية وثقافية بين الفلسطينيين، لا سيما بين السكان الأصليين واللاجئين، الذين طردوا من أراضيهم واعتمدوا على المساعدة من الأمم المتحدة.

ويقول: «مع مرور الوقت، تضاعفت محنة دورة الخراب وإعادة البناء بسبب الصعوبة المتزايدة في عبور الحدود، فضلاً عن وضع حدود جديدة بين أولئك الذين يستفيدون من التصاريح والذين لا يستفيدون منها. إن التاريخ المأساوي لمدينة غزة يجسد كيف تم صنع الحدود السياسية والاجتماعية والثقافية من خلال سياسة الاستعمار، والتي لا تتضمن في هذه الحالة الأرض فحسب، بل أيضاً المياه حيث يُحرم الفلسطينيون من الوصول إلى البحر».

نبذة عن الكاتب

* ديدييه فاسين أستاذ العلوم الاجتماعية لكرسي البروفسور جيمس دي ولفنسون بمعهد الدراسات المتقدمة في برينستون. وهو مؤلف للعديد من الكتب منها: «إرادة المعاقبة» (2018)، «الحياة: دليل للمستخدمين النقديين» (2018)، «عوالم السجون» (2016) وإنفاذ الأمر: إثنوغرافيا الشرطة الحضرية.

<br/>
منتدى معلمي الاردن

Copyright © 2009-2024 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved