منتدى معلمي الاردن
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://www.jo-teachers.com/forum/t8599
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

الجزائر بين الهجرة والثورة: توثيق لحظة واستعادة تاريخ
بيسان القدومي 06-05-2020 07:56 مساءً
بين جزائرية تبحث عن هوية في الغربة، وأخرى عن حرية في بلد الشهداء، يرصد فيلمان وثائقيان جزائريان أوضاعاً عامة من خلال حالات فردية، ينطلقان منها للتعبير عن ماضٍ قديم، وآخر أقلّ قدماً، وعن حاضر قلق ومستقبل مفتوح. فيلمان مشاركان في الدورة الـ51 (17 أبريل/ نيسان ـ 2 مايو/ أيار 2020) لمهرجان "رؤى الواقع" (المُقامة افتراضياً بسبب وباء "كورونا";)، في برنامج "مدى" (بانوراما الفيلم الوثائقي المعاصر): "جزائرهم" (2020) للينا سوالم و"نرجس ع" (2020) لكريم عينوز.
***في "جزائرهم"، أول وثائقي لها، تحضر لينا سوالم بصوتها وهي تخاطب جدّيها وتطرح عليهما الأسئلة، كأنّها تتعرّف عليهما مجدّداً. تقرّر إنجاز الفيلم بعد انفصال الجدّين أحدهما عن الآخر. معاً، انتقلا من الجزائر إلى "تيير" (وسط فرنسا) قبل نحو 60 عاماً، ومعاً واجَها الغربة. بالنسبة إلى لينا، فإنّ الانفصال فرصة للتشكيك في رحلتهما الطويلة في المنفى، ومناسبة لإعادة النظر في هويتها.معظم الفيلم حوار مع الجدّين لدفعهما إلى الكلام. هذا ليس سهلاً على لينا سوالم، وعلى الجدّ تحديداً، الذي لم يرغب في الكلام، فطَبْعه صامت، كما لاحظ المُشاهد، وكما أكّدت تعليقات الجدّة: "لم نتحدّث أبداً، ولن نبدأ الآن". تدخّلُ المخرجة وحضورها فعّالان لتحريك السكون، كما وجود الابن/ والد لينا. صمت الجدّ مؤثّر، فعباراته القليلة تُتبيّن ما للصمت من أثر في نفسه، وما قاومت ذاكرته للاحتفاظ به. تفاعله مع صورة أمّه، نظرة مليئة بدموع، تلاها إبعاد للصورة، وقول مأثور: "الحق مع العرب في عدم حبّهم الصُور. إنّها تذكّر بأشياء سيئة". لم يتحدّث كثيراً، حتّى في ما يثير شهيته للكلام.تبدو حياة المنافي تعيسة لكبار السن. طول اليوم، يجلس الجدّ في مقهى، ويعود مساءً متأنّياً منحنياً. اقترب من التسعين. الجدّة تُقيم في مسكنٍ في مقابل مسكنه، ولا تزال تأتي لمساعدته. هي أكثر حيوية وإقبالاً على الحياة واهتماماً بالشكل.بتصويرها يوميات زوجين افترق أحدهما عن الآخر، تستعيد لينا سوالم تاريخاً شخصياً وعاماً للجزائر، مع وصول اليد العاملة إلى فرنسا بعد الاستقلال، حاملةً فكرة العودة القريبة بعد جمع المال. هذا لا يحصل إلاّ عند النهاية غالباً، لتحقيق بقاء دائم في وطن يُعاش في الخيال. شعور الجدّ في البداية بندم المجيء، وكلام عن الزراعة في الجزائر، وعن 19 شجرة مشمش، عالقةٌ كلّها في ذاكرته. ومع محاولاتها إنعاش الذاكرة وتوزيع محاور السيناريو، تصطحب المخرجة جدّها إلى مصنع السكاكين حيث عمل، والذي بات خراباً وذكرياتٍ محفوظة في متحف البلدة. حزينٌ مشهد تأمّل الجدّ للصُور وتعليقه عليها. لكنّ كلّ شيء يبدو كوقوف على أطلالٍ، في مكان تتردّد فيه طرقات مطارق على فولاذ مشتعل، آتية من فيديو مُشغَّل في المتحف.تتابع الجدّة حياتها بنشاط، وتروي ذكرياتها وزواجها عند بلوغها 15 عاماً، فنُدرك أحد أسباب افتراقها عن زوجها بعد هذا العمر. هو لم يكن يميل إلى استقبال الضيوف. تستعيد سوالِم مرات عدّة مَشاهد من فيديو لحفل زواج عمّتها: "صُوَر من عرس كأنّها خارج الزمن"، فيها بهجة ورقص وموائد وتقاليد البلد، ولا علاقة لها بفرنسا أو بالحاضر. صُوَر ماضٍ سعيد. تستعيد أسئلتها حول مدى اندماج الأسرة، ومعه سؤال يلحّ عليها وعلى المُشاهد، ولا إجابة عليه: "لِمَ لمْ يعد الجدّان أبداً إلى الجزائر؟ لِمَ لَمْ يزورا البلد؟"، أقلّه لربط أبنائهما بالثقافة الجزائرية. لكن، بالنسبة إليهما، الحفاظ على هذه الثقافة يتمثّل بتعليمهم الدين والتهذيب، لا في اصطحابهم إلى البلد. هذا مُحيّر، باستثناء والد المخرجة، زين الدين سوالِم، الممثل المعروف في فرنسا. فهو يعتبر نفسه جزائرياً رغم أنّه لم يذهب إلى الجزائر أبداً: "حين تكون جزائرياً فأنتَ جزائري. لسنا بحاجة إلى الذهاب إلى الجزائر لنكون جزائريين". أما بالنسبة إلى لينا، فالأمر ليس هكذا. ذهبتْ إلى قرية "لْعَوامر"، وأسعدت جدّها للمرّة الأخيرة قبل رحيله بصُوَر لم تسبِّب له التعاسة هذه المرّة.***اختار الجزائري البرازيلي كريم عينوز نرجس عسلي بطلة لوثائقيّه الجديد "نرجس ع". شابة في العشرينيات من عمرها، يرصد معها وعبرها أحوال شبابٍ جزائريين وأفكارهم في "ثورة فبراير/ شباط" (2019)، ودوافعهم للمشاركة، وطريقتهم فيها، وآمالهم منها. أفلام عدّة، وإنْ لم تكن كثيرة، رافقت الشباب العرب في ثوراتهم، تتشابه في مواضيعها، وإنْ اختلفت في أشكالها وأساليب التعبير الفني عنها. بعضها موثّق لتاريخ وأحداث عامة، وبعض آخر يوثّق مع لمسات شخصية، تعبّر عن حالة جماعية. اختيار نرجس موفّق، لتعبيرها عن مشاعرها الخاصة عن الجزائر مباشرة بعد الاستقلال، وعن فترة مليئة بالأمل حينها، عبر جيل أجدادها، ثم عن "خيانة الوعود" في ظلّ نظام استبدادي، مع جيل الآباء وجيلها. هذه الأجيال أحيت آمالها اليوم، مع استعادتها الشوارع للتظاهر، من دون نسيان خيباتٍ تظهر في "تحوّل في الشعارات إلى جزائر دولة اسلامية"، كما تقول نرجس بأسفٍ في حديثٍ لها مع صديقة.تمثّل نرجس جيلاً نشأ في "العشرية السوداء" في تسعينيات القرن الـ20. تمثّل مشاعر جيل لا رغبة له إلاّ في الحصول على بطاقة سفر باتّجاه واحد، لكنّ الثورة تُقنعه بالبقاء والمشاركة فيها. للمرّة الأولى، تشعر نرجس "بالانتماء إلى هذا الشعب وهذا البلد".يُصوّر الفيلم يوماً واحداً (من صباح الجمعة إلى آخر الليل) في حياة مُتظاهرة، متحمّسة وفرِحَة للغاية. مَشاهد توثيقية لما يجري في الشارع، عبر رؤيتها وسردها المكثّف لآمال أسرتها وحواراتها مع أصدقائها وأمّها، وأيضاً مع حركة الكاميرا في تتبّعها المكان، والتقاطها الجميل لزوايا من الشارع ووجوه أخرى، وتسجيلها مواقف عدّة لمتظاهرين، تُركّز على هتافات ولافتات معيّنة: "اخرجي جبهة التحرير الوطني" أو "أعيدوا لنا بلادنا". هذا يعكس بهجةً رافقت التحرّكات عبر موسيقى وأغانٍ ردّدها متظاهرون، أو أُضيفت على الفيلم من تسجيلات، بما فيها من جمالٍ وكلماتٍ مُعبّرة، ممتعة وخاصة.كشف "نرجس ع" مشاعر شابّة عبّرت بأسلوب عميق عن نظرتها وعواطفها وأحلامها إزاء البلد والثورة، وإحساسها بدَيْنٍ عليها تسديده: "دَيْن الأجداد والآباء، ودَيْن هذا الجيل". شابّة تعطي لنفسها حق الحلم: "أحياناً، أقول لنفسي إنّ الجزائر لن تتغيّر، وستبقى هكذا ضحية أعوام من سوء الإدارة. أحياناً أحلم".رغم أنّ مواقف كهذه معروفة، يبقى "نرجس ع" وثيقة مهمّة تعبّر عن رؤية جيل في فترة مهمّة من تاريخ الجزائر.
منتدى معلمي الاردن

Copyright © 2009-2024 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved