منتدى معلمي الاردن
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://www.jo-teachers.com/forum/t7699
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

الدولة الكرديّة.. الحـلـــم المتـبــدد
بيسان القدومي 04-01-2020 12:15 صباحاً
محمد هاني عطوي

[/p]
[p]تصدر الأكراد عناوين الصحف العالمية خلال الشهور الأخيرة من 2019، إثر بدء وأثناء العملية العسكرية التركية في شمال سوريا في مناطق سيطرة الأكراد بسوريا والتي انطلقت تحت شعار «نبع السلام» بينما كانت في الحقيقة نبع دم، وراح ضحيتها المئات وشردت أكثر من 300 ألف شخص.

العملية فتحت الباب أمام اضطرابات ومعارك ضارية، فقد شنت تركيا هجمات عسكرية كانت قد هددت بها طويلًا ضد مواقع لتحالف مسلحين أكراد كان مدعوماً من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، مُمَهِدةً الطريق لحمام دم مُحتمل واضطرابات من الممكن أن تستمر أعواماً قادمة في المنطقة. وعلى نحو مفاجئ، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب القوات الأمريكية من الحدود التركية - السورية مُفسِحاً الطريق أمام تركيا لتنفيذ عملياتها ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، وبالفعل انطلقت تركيا لتبيد وتملي شروطها بلا رادع من دين أو ضمير.

ورغم معارضة البنتاغون ووزارة الخارجية وغالبية الكونغرس، يُدلل الضوء الأخضر الواضح الذي منحه ترامب لتركيا على تخلٍ مُذهل عن قوات سوريا الديمقراطية التي أعلنت فقدانها أكثر من 11 ألف مقاتل تصدروا المعركة ضد «داعش» في سوريا، وهو ما دعا الأكراد لوصف ما فعله ترامب معهم ب«الخيانة». وتَعتَبِر تركيا وحدات حماية الشعب الكردي، المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية، جماعة إرهابية على صلة بحزب العمال الكردستاني الذي ظل يحارب تركيا على مدار أربعة عقود تقريباً دفاعاً عن حقوق الأكراد. وتمثل تجربة الكرد السوريين في «الحكم الذاتي الديمقراطي» المستند إلى المبادئ الاجتماعية الليبرالية التي يتبناها الزعيم الكردي عبد الله أوجلان تحدياً سياسيّاً وأيديولوجيّاً يواجه تركيا، يذهب إلى ما هو أبعد من التهديد العسكري.

كانت تركيا تخشى من أن المكاسب التي حققها الأكراد السوريون ستشجع سكانها الأكراد على إنشاء ولاية صغيرة تابعة لحزب العمال الكردستاني على حدودها. وتعطي نقاط القوة العسكرية والسياسية والإقليمية التي يتمتع بها الأكراد السوريون أوراق مساومة قوية في أي حل سياسي بسوريا يطالبون من خلاله بالاعتراف بحقوق الأكراد وإلغاء مركزية السلطة، وتسعى تركيا لمنع هذا التطور.

خيانة أمريكية

أرغم التوغل العسكري التركي في شمال شرق سوريا مئات الآلاف من المدنيين على الفرار إلى مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية نحو الجنوب وكردستان العراق المجاورة. وكذلك أججت خطط تركيا وستؤجج التوترات العرقية على مدار أعوام قادمة، ويبقى دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية مصدراً كبيراً للتوتر مع تركيا، وكان ترامب قد أعلن نهاية العام الماضي سحب القوات الأمريكية المُقدر عددها بألفين في سوريا لأن داعش قد «هُزمِت». وحينئذ، تم عكس المسار بضغط من البنتاغون والكونغرس والحلفاء الأوروبيين.

حتى أن تركيا التي تفاجأت بنية أمريكا غير المتوقعة للانسحاب كانت حذرة تجاه سرعته. بيْد أن الإعلان مهد الطريق لشهور من المحادثات بين المسؤولين الأتراك والأمريكيين التي آلت بدورها إلى اتفاق حول إقامة «منطقة آمنة» شمال شرقي سوريا في أغسطس الماضي

وكان يُقصد من وراء الاتفاق، الذي حاز تأييد قوات سوريا الديمقراطية، شراء وقت واسترضاء تركيا. وعلى نحو غير مفاجئ، تشعر قوات سوريا الديمقراطية بخيانة تجاه إعلان ترامب سحب القوات الأمريكية من على الحدود.

وغرد المتحدث الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية حينها مصطفى بالي على تويتر (الاثنين السابع من تشرين الأول/‏‏ أكتوبر 2019): «لا نتوقع من الولايات المتحدة أن تحمي شمال شرق سوريا، إلَّا أن الأشخاص هنا يستحقون شرحاً بشأن الاتفاق وتدمير التحصينات وفشل الولايات المتحدة في الإيفاء بالتزاماتها».وأضاف: «لم تف القوات الأمريكية بمسؤولياتها وبدأت الانسحاب من الحدود، تاركة المنطقة تتحول إلى ميدان حرب. لكن قوات سوريا الديمقراطية عازمة على الدفاع عن شمال شرق سوريا بأي ثمن».

الحلم الوهمي

وربما يتساءل القارئ ما سبب الأزمات المتواصلة بين الأكراد وسلطات الدول التي يعيشون فيها؟

الأكراد حسب المصادر المختلفة يتراوح عددهم ما بين 25 و35 مليون نسمة، وهم يتوزعون بشكل أساسي على أربع دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا. وهم شعب من أصول هندو-أوروبية ينحدرون من القبائل الميدية التي استوطنت بلاد فارس القديمة وأسست إمبراطورية في القرن السابع قبل الميلاد. يتوزّع الأكراد على غالبية ساحقة من المسلمين السنّة وأقليات غير مسلمة، وعلى أحزاب سياسية علمانية في الغالب، في حين تتوزع مناطقهم على مساحة تبلغ حوالي نصف مليون كلم مربع، تتقاسمها أربع دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا. يعيش القسم الأكبر من الأكراد في تركيا (ما بين 12 إلى 15 مليون نسمة، حوالي 20% من إجمالي السكان)، ثم إيران (حوالي 6 ملايين، أقل من 10%) ثم العراق (5 إلى 6 ملايين نسمة، ما بين 15 إلى 20%) وأخيراً سوريا (أكثر من مليوني نسمة، 15% من السكان). وبالإضافة إلى هذه الدول الأربع، تعيش أعداد كبيرة من الأكراد في كل من أذربيجان وأرمينيا ولبنان إضافة إلى أوروبا خصوصاً في ألمانيا.

وعلى إثر انهيار الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، بات حلم الأكراد بالحصول على وطن خاص بهم على وشك التحقق. فقد نصت معاهدة «سيفر» التي أبرمت عام 1920 على حق الأكراد في تقرير المصير وتشكيل دولة خاصة في شرق الأناضول وفي الموصل.

ولكن هذا الحلم تبخّر بعد انتصار مصطفى كمال أتاتورك في تركيا واضطرار الحلفاء للتراجع عن بنود معاهدة سيفر واستبدالها في 1923 بمعاهدة «لوزان» التي وضعت الشعب الكردي تحت سيطرة تركيا وإيران بالإضافة إلى بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا دولتي الانتداب على العراق وسوريا على التوالي. ففي عام 1923 أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية الحديثة. وبعد أقل من عامين على تأسيسها، واجهت الدولة الفتية أول انتفاضة كبرى قام بها الأكراد في جنوب شرق تركيا بقيادة الشيخ سعيد بيران. الانتفاضة كانت ضد سياسة القمع التي تتبعها حكومة أتاتورك ضد الأقلية الكردية. لكن سرعان ما تم قمع التمرد، وأعدم الشيخ بيران.

إخفاق النخب الكردية

ويقول الكاتب السويسري جوردي تيجيل أستاذ - باحث في كلية التاريخ الدولي في معهد الدراسات العليا الدولية والتنموية في جنيف: «في 1920، كاد الأكراد يحوزون دولة خاصة بهم، ولم يكونوا يوماً أقرب إلى حلمهم هذا. لكن بعد 3 سنوات، تبدد هذا الاحتمال. لكن ما السبيل إلى فهم إخفاق النخب القومية الكردية في الفوز بدولة خاصة بهم، في وقت كان السياق الدولي يبدو مواتياً على وقع تقطيع أوصال السلطنة العثمانية وبحث القوى الغربية عن حلفاء محليين؟ النخب الكردية ترمي لائمة الإخفاق كلها على القوى الأوروبية ووعودها الكاذبة. لكن واقع الأمور كان أكثر تعقيداً وتركيباً. والسبيل إلى إيجاد جواب مركب هو احتساب عدة عوامل منها خارجية (مصالح الغربيين المتباينة، وانتصارات مصطفى كمال العسكرية) وداخلية (انقسام اللجان الكردية) ومسارات تاريخية سابقة (الإبادة الأرمنية، والشقاق القبلي والديني الكردي)».

خيانة عثمانية

ويضيف تيجيل أن السلطان العثماني أطاح في القرن التاسع عشر الأمراء الأكراد، وتوجه الوجهاء الأكراد إلى المنفى في ولايات السلطنة أو خارجها. والحملة الأخيرة للسيطرة على كردستان أطاحت بدرخان بيه في 1847. ونجمت عن الفراغ إثر إطاحة السلالات الكردية، فوضى في نهاية القرن التاسع عشر، فاعتمد السلطان على تحالفات قبلية كردية واسعة مقابل الولاء له. وعليه، أسس السلطان عبدالحميد الثاني فوج الحميدية من القبائل، ومنحه امتيازات (تسلح، وإعفاء من الضريبة، وشبه حصانة قضائية) مقابل حماية السلطنة من الأخطار الخارجية (النفوذ الروسي على الحدود الشمالية - الشرقية) والداخلية (الأرمن). وكانت أسر نخباء كردستان مقربة من النظام. والمثقفون المتحدرون منها شغلوا مناصب في الإدارة العثمانية، وكانت علاقاتهم بكردستان قد بترت قبل عقود وصاروا أقرب إلى نخب العاصمة من عامة الأكراد في أطراف السلطنة. وعلى رغم تناول مناقشاتهم الإدارة الذاتية والاستقلال، كانوا وثيقي الصلة بالجسم الإداري العثماني السياسي والاجتماعي.

جمهورية مهاباد الكردية

وفي الثاني والعشرين من يناير/‏‏ كانون الثاني من عام 1946، ولدت جمهورية مهاباد الكردية بدعم من الاتحاد السوفييتي. واتخذت الجمهورية الكردية من مدينة ماهاباد في أقصى شمال غرب إيران عاصمة لها.

وكان قاضي محمد ومصطفى البرزاني مؤسسي الجمهورية. لكن بسبب تراجع الدعم السوفييتي بسبب ضغوط إيران، سقطت الجمهورية بعد شهور من تأسيسها.

وفي عام 1974 تأزمت العلاقة بين الحكومة العراقية والحزب الديمقراطي الكردستاني بعد مطالبة الملا مصطفى برزاني بالحصول على آبار نفط كركوك ودعا الأكراد إلى ثورة جديدة ضد الحكومة العراقية.

وفي عام 1988، تعرضت مدينة حلبجة الكردية لغارات بالسلاح الكيماوي في إطار ما عُرف بحملة «الأنفال»، التي قام بها النظام السابق ضد الأكراد.

يذكر أن الهجوم الكيماوي على حلبجة أسفر عن مقتل ما بين 3500 إلى 5000 شخص، وفقاً لمصادر مختلفة، فيما قدر عدد المصابين بحوالي عشرة آلاف شخص.

وفي عام 1991 بدأت قوات من الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي انتفاضة ضد الحكومة العراقية إثر غزو الكويت. لكن سرعان ما أخمدها صدام حسين بالقوة، ما تسبب في نزوح أكثر من مليون كردي إلى دول الجوار.

وفي سبتمبر/‏‏ أيلول عام 2017 أعلن رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، عن إجراء استفتاء شعبي لاستقلال الإقليم عن العراق. لكن ذلك قوبل برفض شديد من الحكومة في بغداد. كما رفضت الأمم المتحدة الإشراف على عملية الاستفتاء.

وفي عام 2018، شنت تركيا عملية في عفرين تسببت في نزوح ما يقرب من نصف سكان الجيب البالغ عددهم 300 ألف تقريباً. وتستمر وحدات حماية الشعب في عمليات تمرد بسيطة ضد الجيش التركي وحلفائه المسلحين السوريين.

تركيا والتهجير القسري

اتهمت جماعات حقوقية القوات المدعومة من تركيا بانتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التهجير القسري ومصادرة الأملاك والنهب والتوقيف التعسفي والخطف والابتزاز. ونقلت تركيا عائلات المقاتلين المتمردين ولاجئين آخرين إلى عفرين.

وفي إيران، تدور بين الفينة والأخرى اشتباكات بين قوات الأمن ومتمردي حزب الحياة الحرة الكردستاني (بيجاك) الذي توجد قواعده الخلفية في العراق. وكانت إيران شهدت بعد «الثورة الإسلامية» في 1979 انتفاضة كردية قمعتها السلطات بشدة.

ويبدو أن انقسام الأكراد الذين لم يسبق لهم أن عاشوا تحت سلطة مركزية إلى عدد لا يحصى من الأحزاب والفصائل والحركات، موزعة على الدول الأربع، أدى إلى عدم نجاح قيام دولتهم الحلم كردستان. فغالباً ما تناصب تلك الأحزاب والفصائل والحركات بعضها العداء اعتماداً بالخصوص على تحالفات كل منها مع الأنظمة المجاورة.

ففي العراق، خاض أبرز فصيلين كرديين «الاتحاد الوطني الكردستاني» و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» حرباً بين 1994 و 1998. ثم تصالحا في العام 2003. وأوقع القتال بين الفصائل الكردية 3 آلاف قتيل.

العجلة بددت الحلم

من جهتها أشارت صحيفة «فايننشال تايمز» في مقال للكاتب ديفيد غاردنر، يتحدث فيه عن تراجع حلم الأكراد بإنشاء دولة مستقلة، مشيراً إلى أن أحد أسباب ذلك هو تعجلهم وتجاوزهم الحدود، سواء في سوريا أو في تركيا.

ويقول «غاردنر»: إن «القتال المستعر حاليا ًفي شمال سوريا لا يدعو للتعجل والقول إن التطورات الحالية هذا الشهر، والمثيرة للدهشة، مثل التوغل التركي، وهو الأول منذ بداية الحرب، أو تعزيز التحالف الروسي الإيراني، تشكل انعطافة كبيرة في الحرب، التي مضى عليها أكثر من خمسة أعوام، لكنها قد تكون نقطة تحول لسوريا ومناطق الأكراد».

ويضيف الكاتب أن العامين الماضيين شهدا لحظة أمل بولادة الدولة الكردية، حيث استطاع المقاتلون الأكراد كسر الحصار الذي فرضه مقاتلو داعش على مدينة كوباني، ووسعوا من قوتهم في سوريا، وسيطروا على المناطق التي كانت تحت سيطرة الدواعش.

ويشير غاردنر إلى أن تفكك سوريا، والتفكك الفعلي للعراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، قدما للشعب الذي لا يملك دولة أملاً بقيام دولة له، ومع ذلك، فإن الفرصة الآن تخرج على ما يبدو من أيديهم، حيث بدا كأنهم بالغوا في طموحاتهم.

ويخلص غاردنر إلى أن «أياً من هذه التطورات لن يساعد الطموح الكردي بإنشاء دولة من ركام الشرق الأوسط المضطرب، حيث تخلت روسيا عن حزب الاتحاد الديمقراطي، ومالت الولايات المتحدة باتجاه تركيا، وقد تكون هذه التغيرات مؤقتة ولكنها كفيلة بتلاشي الحلم الكردي ولو مؤقتاً».

<br/>
منتدى معلمي الاردن

Copyright © 2009-2024 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved