منتدى معلمي الاردن
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://www.jo-teachers.com/forum/t7379
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

خاشقجي.. كم كنّا متوهمين
بيسان القدومي 25-12-2019 09:12 صباحاً
ساذجٌ مَن صدّق لوهلة أن السلطات السعودية ستحقق نصف عدالة أو ربعها حتى، في جريمة اغتيال جمال خاشقجي. مزحة المحاكمة وإعلاناتها الكاريكاتيرية، وصولاً إلى حكمها يوم الإثنين، كانت انعكاسا للضغط الذي عانت منه المملكة مؤقتاً على وقع هول الحدث وظهور تفاصيله الوحشية بالتقسيط. وُلدت المحكمة في عز الغضب الدولي، الصادق منه والكاذب، أو الابتزازي على نسق بيانات إدارة دونالد ترامب وتصريحات أركانها. ثم صدر الحكم عن تلك المحكمة الافتراضية التي لم نعلم من هم قضاتها ولا محاموها ولا مواعيد جلساتها، ليعكس السرعة القياسية لزوال مفعول الرأي العام الدولي والغضب الحكومي العابر للحدود، في ظل عقود بمليارات الدولارات وزعتها الرياض على عواصم وشركات غربية بما يتناسب مع مستوى الغضب الشعبي والحكومي داخل كل بلد.

لكن لم يكن ساذجاً مَن اعتقد أن في القيادة السعودية الحالية عقلاً ما، مهما بلغت درجة انتهازيته، لا بد أن ينصح رأس الهرم بالتضحية ببعض الرموز، من فئة المحكومين حتماً بأن يكونوا كبش فداء في مثل هذه الأنظمة، من أمثال رجل المهمات القذرة في الداخل وفي الخارج، سعود القحطاني، ورمز حرب اليمن أحمد عسيري، والرجل الهائم في بحثه عن أشلاء جثة في أدراج المكاتب الخشبية للقنصلية في إسطنبول، القنصل محمد العتيبي. كانت التقديرات تفيد بأن منطق السياسة حتى بمعناها الحقير يقضي بأن تتم التضحية برؤوس معينة، ولو كانت صغيرة أو متوسطة الحجم، لحماية الأسماء الكبيرة. خذوا مستشاراً واتركوا لنا أميراً. خذوا ضابط استخبارات وحيّدوا ولي العهد. أعدموا قنصلاً بعدما بعنا مبنى قنصلية إسطنبول، لعلنا نمحو آثار الجريمة، وانسوا ما حصل على إيقاع أنغام الاحتفال برشاوى بالمليارات. هكذا كان يمكن أن تضحك السعودية على العالم بحد أدنى من احتقار ذكاء البشر، من دون الإيغال في إهانتنا، على نسق حكم تبرئة الثلاثي الدموي، وإعدام خمسة مجهولي الهوية، يُرجح أن تخفف محكوميتهم قريبا في الاستئناف على طريق العفو الملكي، أكان العفو معلناً أم سرياً. احتقار لا تنافسه إلا بيانات وتغريدات منسوبة إلى عائلة الراحل، مرحّبة بـ"إحقاق العدالة وإنصاف القضاء". إهانة لا يضاهيها إلا احتفال واشنطن بالمحاكمة وبحكمها. لم يكن هناك شيء من الوهم أو من الطوباوية في تفكير كل من توقع تقديم قرابين وأضاحٍ سعودية "مقبولة" في وزنها السياسي والأمني بدل التصويب قضائياً على رأس السلطة في المملكة. هذه الفرضية بحد ذاتها دنيئة، لكن للأسف هكذا تمارس السياسة حيث الكلمة للمصالح حصراً، وعلى قاعدة أنه ما كان بالإمكان أفضل مما كان، إلى أن يأتي يوم وتحصل معجزة فتصبح ممكنةً محاكمةُ سياسيين بهذه الدرجة من الثراء ومن النفوذ في عالم يكون الغرب فيه أقل نذالة وأقل رخصاً أمام العملة. لكن أن تنتهي القصة هكذا، بتبرئة حتى صغار الموظفين، وأن يخبرنا متحدث باسم القضاء لا تمت هيئته ولا كلماته إلى العدالة بصلة، أن أي نية مسبقة لم تتوفر في الجريمة التي قهرت هلوسات هيتشكوك في درجة وحشيتها، فهذا إنما يوجه بصقة لن يشعر بها حكام الغرب طبعاً، فهم صاروا أمام المصالح المالية، كذاك الذي يظن أنها تُمطر حين ترتطم البصقة في وجهه.ربما كان جمال خاشقجي يتوقع أن تصفّيه العصابة يوماً ما. حين كان يسلم الروح، ربما كان يتمنى أن تكون لرحيله تداعيات إيجابية على أحوال البشر وحقوق الإنسان في بلده. وبالفعل، في فترة الضغط الدولي على الرياض إثر الجريمة ــ المجزرة، ساد اعتقاد بإمكانية أن تترك قضية خاشقجي أثرها الحميد على الداخل السعودي، وكأن الرجل افتدى نفسه لتتحسن ظروف عيش مواطنيه. لكن مجدداً، بدا كم كنا أغبياء حين صدقنا أن في هذا العالم بقي شيء من العقل ومن صفات البشر. كم كنا أغبياء حين قللنا من حجم الكارثة التي يخلفها تحالف ابن القرون الوسطى مع ربطات عنق القرن الواحد العشرين وهم يهتفون: أعطونا أموالكم وافعلوا ما شئتم.
منتدى معلمي الاردن

Copyright © 2009-2024 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved