منتدى معلمي الاردن
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://www.jo-teachers.com/forum/t7375
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

في تيه مقاومي السيسي
بيسان القدومي 25-12-2019 09:12 صباحاً
عدم وجود حل ملموس على المستوى القريب المحدود، أو حتى المأمول في الجانب الزمني الأبعد للأزمة المصرية حالكة السواد على مقاومي قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي يزيد من مأساوية وضع أكثرهم معنويًا ثم ماديًا، ولأن هؤلاء المقاومين لا يملكون، منذ شعارهم "سلميتنا أقوى من الرصاص"، إلا الكلمات في مقابل دولة عميقة ورصاص كثيف، ولأنهم بنوا خريطة المقاومة على مجرد آمال وأحلام ورؤى بلا سند أو فهم (ولو بسيطاً) للواقع، ومع طول فترات الإظلام الطويلة وتبدّد الأوهام؛ لذلك كله ارتد السلاح اللفظي وانعكس إلى صدور المقاومين أنفسهم.

أذيعت أخيرا حلقاتٌ كان قد سجّلها كاتب صحافي من معسكر مقاومي الانقلاب، على دفعات؛ واستضافت ناقدين للمسار الذي سلكه الرئيس الراحل محمد مرسي، وآخرين التمسوا العذر له أو دافعوا عنه؛ فقد كان من الصعب، في البداية، على الصف المقاوم، وخصوصاً من الإخوان المسلمين الذين يرون أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وأنهم تعرّضوا لمؤامرة كونية أكبر من إمكاناتهم. وعلى الرغم من ذلك، سجلوا كفاحًا ونضالًا بأحرف من نور في سجل التاريخ، كان من الصعب على هؤلاء أخذ موقفٍ واضحٍ أقرب للجمعي من الحلقات منذ البداية. وبعد بث الحلقات المسجلة لضيوف خمسة، رأى المدافعون عن الجماعة أن الذين مدحوا الرئيس مرسي والشرعية لم يكونوا على مستوى بيان الذين انتقدوه وحججهم، بل تعدّى الأمر لديهم النقد إلى

تخيّل هدم الحلقات في بنيان الجماعة.آذت الحلقات قياداتٍ صار أغلب همهم أن يبقوا في مقاعدهم بمناصبهم، بمكتسباتهم، بغموضهم، مع استمرار تبعية الآلاف لهم؛ بل رأت هذه القيادات أن الحديث بهذا السقف غير المحدود من الحرية سوف يهيل التراب عليها، خصوصا قول أحد الضيوف إن العهد الذي بين الإخوان المسلمين، القيادة والصف "عقد إذعان.. وبالتالي فلم يستشر صف الإخوان لا في المشاركة في الثورة، ولا في رغبة طرف من الجماعة حكم مصر، ولا في الأحداث المؤدية للانقلاب، نهاية بمجزرة رابعة العدوية". ولما كان النقد الموجه في الحلقات غير مسبوق في الانتشار، رأت قيادات إخوانية أن يكون ردّها (هي الأخرى) غير مسبوق في الشكل ولا المضمون؛ خصوصا مع يقين زودها به إحساسها بعميق الخطر المحيط بها، أن ناقد الجماعة مقدم الحلقات تعدّى عليها، بل تجنّى بما فيه الكفاية.وكان أن انتهزت هذه القيادات انتشار ومجهولية أفراد تابعين لها على "فيسبوك"، فإن كانت الحلقات بثت على واحدةٍ من أبرز القنوات ذات التاريخ المقاوم للانقلاب، وما تزال تبث على "يوتيوب"، فإن "فيسبوك" أوسع مدى وانتشارًا لمقاومي الانقلاب، ولكن مع تصدّي شخصياتٍ غير معروفة للكاتب (المذيع في الحلقات)؛ وهو ما رد عليه الأخير بقسوة إن أبرز ثلاثة من معارضيه هم من الإخوان (الأصليين برأيه)، وبالتالي فإنها هجمة إخوانية محضة.ولكن مهاجمي الكاتب/ المذيع كانوا قد وصلوا إلى وثيقة تدينه بتلميع أحد الأنظمة التي أسقطتها الثورات العربية، ما جعله يصعّد، بمزيد من الاتهامات الشديدة للجماعة وأفرادها، وخصوصا ما أسماها اللجان الإلكترونية. وأسوأ ما في هذه المبارزة الكلامية أن "بأس" مقاومي الانقلاب

بينهم أصبح "بالغ الشراسة"، على نحو يؤذن بتراجعٍ في مقاومة النظام، وتفرغ بعض من هذا المعسكر (على الأقل) للتراشق بالكلمات والمواقف إلى ما لا نهاية، فاتهام الكاتب/ المذيع بالتعاون مع نظام عربي سابق منقلب عليه قديم كان مسكوتا عنه لدى جميع قادة الإخوان المسلمين، لكن بعضهم استدعاه عند منطقة الخلاف الأشد؛ وهو ما يؤذن بحملة مشابهة أو أغلظ صوتًا لجميع منتقدي أداء الجماعة قبل السلطة وبعدها.وأبرزت الحملة أيضًا أن جماهير الإخوان المسلمين الغفيرة لا تديم الصمت كثيرًا على منتقدي أداء الجماعة، أو صورتها القائمة اليوم؛ وهؤلاء على استعداد لـ"دهس" أي صاحب كلمة، ولو كان منتميًا (بشكل عام) لموقفهم ومعسكرهم. وعلى الرغم من الخسارة الفادحة التي أصابت الصف الإخواني الحالي (لو درى بعض قادته) إلا أن الكاتب/ المذيع نجح فريق من الإخوان في زجّه في معركة بشأن شخصه، ستجعل داعميه يفكرون مرات كثيرة قبل إتمام البرنامج الذي أراده لانتقاد الجماعة، وهو إنجاز ستراه الجماعة كبيرًا، وستنطلق منه إلى خطواتٍ تصعيديةٍ أخرى، لمواجهة كل معترضٍ بشكل مكثف على تصرفات الجماعة وحكمها.هي حقائق أكثر مرارة من الهزيمة، أن صفًا مقاومًا كبيرًا بدأ ييأس من المقاومة الحقيقية لعدوه على أرض الواقع، ويلتفت، في مُداراة مفجعة لخسائره، إلى ناقديه ليبارزهم، راغبًا في القضاء عليهم إن استطاع. وعلى الرغم من ذلك كله، ما زال مأمولا وجود عاقلين في صف الإخوان المسلمين والمختلفين معهم يردّون الأمور إلى نصابها، ويحدّدون مساحة الاختلاف. ولكن في الحدود التي يرتضيها الجميع، مع الاعتراف بالخطأ وما هو أكثر أحيانًا، بما يسمح باستمرار مقاومتهم عدوهم الأصلي، عبد الفتاح السيسي ومَنْ والاه، بدلًا من هذه المتاهة المستمرة لصفهم وكيانهم.
منتدى معلمي الاردن

Copyright © 2009-2024 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved