منتدى معلمي الاردن
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://www.jo-teachers.com/forum/t6527
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

«القاعدة» و إيران إرهاب عابر للحدود
بيسان القدومي 30-11-2019 01:10 مساءً
إعداد: عبير حسين

العلاقة بين تنظيم القاعدة الإرهابي ونظام الملالي في طهران .. راسخة ومتجذرة منذ مايقرب من 4 عقود، ورغم اختلاف الأيديولوجيات بين الجانبين إلا أن المصالح المشتركة واحدة ، والأهداف متماثلة ، مما وحد بينهما، وقد نشر كايل أورتن خبير دراسات الإرهاب الدولي، وزميل أبحاث جمعية هنري جاكسون المعنية بأبحاث الاستراتيجية والأمن العالميين في لندن دراسة حديثة تكشف كثيراً من أسرار العلاقة الخفية التي تربط بين تنظيم القاعدة، ونظام الملالي في طهران، كاشفاً عن تجاوز كلا الطرفين الاختلافات الإيديولوجية الجوهرية بينهما والتي كانت كافية بوضعهما في مكانة الأعداء، مقابل المصالح المتبادلة منذ الثمانينات وحتى اليوم. تستعرض الدراسة التي نشرها موقع The Brief وحصلت على اهتمام عالمي واسع، تاريخ العلاقة بين الطرفين والتي تمتد لجذور أعمق مما يتصور الكثيرين والتي بدأت مع اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية نهاية السبعينات، واعتبارها من قبل جماعات الإسلام الراديكالي في مصر «نموذجاً ملهماً» للتغيير خاصة تنظيم الجهاد الإسلامي حيث ظهر أيمن الظواهري رئيس تنظيم القاعدة الحالي والذي أبدى صراحة إعجابه بالثورة الإيرانية عدة مرات، مروراً بالدور الذي لعبته طهران منذ شن الولايات المتحدة حربها العالمية على الإرهاب في أفغانستان وتوفيرها ملاذا آمناً لقيادات القاعدة الذين فروا إليها، ورفضها تقديمهم لأية محاكمات، أو تسليمهم لأية أطراف دولية، ووصولاً إلى الدور الذي لعبه «سيف العدل» أحد قادة القاعدة المقيمين على أراضيها والذي تلقى تدريبات متطورة في «فيلق القدس» لدعم «أبو مصعب الزرقاوي» من تنظيم القاعدة في العراق والذي كان نواة تشكيل تنظيم «داعش» الإرهابي الذي توحش لاحقاً باستيلائه على مناطق شاسعة من أراضي العراق وسوريا.توقفت الدراسة عند عدة محطات هامة من العلاقة الغريبة والوثيقة بين «الفرقاء الأيديولوجيين» والتي توطدت عبر السودان خلال فترة رئاسة حسن الترابي، في نفس المرحلة التي توغل خلالها النفوذ الإيراني في الخرطوم بناء على الاستراتيجية الإيرانية الدائمة التي تعتبرها منصة مناسبة «لمضايقة» كل من السعودية ومصر. ومروراً باللقاءات التي جمعت بين عماد مغنية رئيس الجناح العسكري «لحزب الله» اللبناني، وكل من أسامة بن لادن، ومن بعدها بينه وبين أيمن الظواهري للتدريب في «البقاع» جنوب لبنان. إضافة إلى محطة أخرى هامة بدأت فيها إيران استغلال «القاعدة» للعبث بأمن الشرق الأوسط بعد تشكيل ما أطلق عليه «حزب الله الحجاز» أو «حزب الله السعودي» الذي استهدف خلال التسعينيات الجنود الأمريكيين في السعودية، إضافة إلى مسؤوليته عن تفجير «برجي الخبر».تقدم الدراسة كذلك قراءة شاملة في طبيعة الدور الإيراني في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 مشيرة إلى نتائج المراجعة الشاملة لمحفوظات وكالة الأمن القومي الأمريكي التي درست وراجعت بعناية آلاف الأدلة قبل كتابة اللجنة المعنية بتقصي الحقائق حول 11/9 تقريرها النهائي والذي أكد تورط إيران بشكل أو بآخر في الاعتداءات منها علمها بوجود «ترتيباً ما» يدبر عملية كبرى تستهدف الولايات المتحدة. كما تتساءل الدراسة عن أسباب «غض طرف» إدارة أوباما عن الإرهاب الإيراني في سبيل الوصول إلى «الاتفاق النووي» مقابل استغلالها في حرب و «تطويق» الإرهاب السني في المنطقة بعد صعود «داعش».تزداد أهمية القراءة المتأنية لهذه الدراسة بعد ربطها بالإستراتيجية الوطنية الأمريكية لمكافحة الإرهاب الأخيرة التي أعلن عنها البيت الأبيض قبل أسابيع قليلة، والتي اعتبرت أنشطة إيران الخبيثة في الشرق الأوسط أحد أهم التهديدات التي تواجهها المصالح الأمريكية، إضافة إلى إعادة التحذير من مخاطر تنظيم «القاعدة» الذي قللت إدارة أوباما منه السنوات الماضية لصالح المخاطر الأكبر التي شكلها «داعش» عند صعوده. وتكتمل الصورة بعد إعلان الخارجية الأمريكية قبل أيام عن رفع المكافأة التي ستقدم معلومات تؤدي إلى اعتقال قاسم الريمي زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلى 10 ملايين دولار بعدما كان هدفاً لهجوم شنه فريق من القوات الخاصة الأمريكية على مقر «القاعدة» في اليمن مطلع 2017. وهنا تجدر الإشارة إلى أن نفس برنامج المكافآت الأمريكي عرض في وقت سابق مبلغ 25 مليون دولار مقابل الحصول على أية معلومات تفيد في القبض على أبو بكر البغدادي الذي أدرجته واشنطن على قائمة الإرهابيين المطلوبين منذ كان عضواً «بالقاعدة» قبل سنوات من تأسيس «داعش».تستعرض «الخليج» هنا أهم ما جاء في دراسة كايل أورتن والتي عنونت ب «الوشائج بين القاعدة وإيران»، أو «العلاقة بين القاعدة وإيران».

الثورة الإسلامية الإيرانية تستهدف محيطها العربي

استعرضت دراسة «العلاقة بين القاعدة وإيران» البدايات المبكرة لتأثير نموذج الثورة الإسلامية الإيرانية على كثير من جماعات الإسلام الراديكالي خاصة في مصر، والتي كان أحد أبرز صورها وصف الشيخ عمر عبد الرحمن زعيم «تنظيم الجماعة الإسلامية» للثورة بأنها «إلهاماً» عليهم إتباعه، و «نموذجاً» يجب الاقتداء به. إضافة إلى محاولات ايمن الظواهري زعيم الجناح العسكري في «تنظيم الجهاد الإسلامي» التواصل مع نظام الملالي في طهران، مشيراً إلى إنه في الوقت الذي باركت فيه جماعة الإخوان المسلمين في مصر ثورة الخميني، رفضته «إخوان سوريا» بسبب تحالف ايران مع نظام الأسد خاصة بعد «مذبحة حماة» 1982.وأكد أورتن إن «تصدير الثورة» لمحيطها العربي كان أحد أهم أهداف الثورة الإيرانية، التي حرص آية الله روح الله الخميني على الترويج لها بإعتبارها «انتصار لجميع المظلومين على الأرض».بدأت العلاقات غير المباشرة بين «القاعدة وإيران» بعد اغتيال الأب الروحي «لتنظيم القاعدة» عبدالله عزام في نوفمبر1989، وإعداد المخابرات الباكستانية بالتعاون مع أجهزة أخرى غربية قائمة بأسماء أهم أعضاء التنظيم الذين بدأو بالتسرب من أفغانستان بعد الانسحاب السوفييتي وكان على رأس القائمة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. وبعد الخروج السريع لبن لادن من السعودية بسبب اصطدامه مع سياسة بلاده تجاه غزو الكويت، وإسقاط الجنسية السعودية عنه وتوجهه نحو السودان كانت أولى الخطوات المباشرة بين الطرفين بعد استقبال بن لادن لعماد مغنية زعيم الجناح العسكري لحزب الله اللبناني وبداية التعاون المشترك بينهما لتدريب وتسليح وتجنيد أعضاء جدد «للقاعدة». وهنا يشير الكاتب قائلاً «في العام 1991 تعقدت العلاقة على نحو غير مسبوق بين أسامة بن لادن وبلاده بعد ضبط المملكة لشاحنات تنقل شحنات متفجرة إلى الداخل عبر اليمن تحمل بصمات القاعدة، فكان إسقاط الجنسية عنه».وهنا بدأت أولى خطوط الاتصال المباشر بين القاعدة وإيران بعد استقرار بن لادن في السودان والذي سعت السياسة الإيرانية نحوه لسد الفجوة التي سببتها موقف الخرطوم من غزو الكويت ومساندة صدام حسين، إضافة إلى القاعدة الاستراتيجية الراسخة في السياسة الخارجية الإيرانية التي تعتبر السودان منصة مثالية لاستهداف السعودية ومصر.وهنا تشير الدراسة إلى التناقض الهائل الذي شاب العلاقة بين نظام الترابي في السودان، وأهداف الاستراتيجية الإيرانية التي لم تتنازل أبداً في أي وقت من الأوقات عن محاولات نشر» المذهب الشيعي «في كل منطقة تستهدفها، مبرراً» تجاهل «الخرطوم لتلك المحاولات بسخاء الدعم الذي كانت تحصل عليه من طهران خلال حربها ضد تمرد الانفصاليين في جنوب السودان.وتقول الدراسة» في الوقت الذي شهدت العلاقة بين الترابي وطهران بعض «التعكير» بسبب «محاولات» التشييع «، كانت علاقة نظام الترابي واضحة بالقاعدة، كما قال أحد ضباط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سابقًا قدمت الخرطوم أرضًا لمعسكرات تدريب وخدمات رسمية مثل طباعة جوازات السفر، بالمقابل قدمت القاعدة الأموال والأسلحة وحتى المقاتلين ومعدات البناء لمساعدة الخرطوم في حرب الجنوب. وفي هذه البيئة، أقام تنظيم القاعدة والنظام الإيراني أول اتصال بينهما عبر مغنية الذي يعد وكيلاً للحرس الثوري الإيراني».

طهران و«داعش» الإرهابي

قائد فيلق القدس قاسم سليماني لعب الدور الأبرز لإدارة العلاقة مع «القاعدة» منذ أن وفر ملاذاً لعائلة أسامة بن لادن وقادة للتنظيم بعد فرارهم من أفغانستان عام 2001، حتى أنه بنى لهم مجمعاً سكنياً خاصاً في قلب معسكر تدريب تابع للحرس الثوري في طهران وأشار الكاتبان أدريان ليفي وكاثرين سكوت كلارك إلى الدورالكبير الذي لعبه الدعم والتمويل الإيراني في إحياء تنظيم القاعدة الذي كان قوامه 400 شخص عندما نفذ هجمات 11 سبتمبر (وفقاً لأرقام مكتب التحقيقات الفيدرالي)، ثم تشتت بسبب الغزو الأمريكي لأفغانستان، لكنه انتعش مع ظهور تنظيم «داعش» عام 2013. وتشير دراسة «العلاقة بين القاعدة وإيران» إلى الدور الذي لعبه سيف العدل وعبدالله رجب عبدالرحمن (أبو الخير المصري) لدعم أحمد الخلايلة (أبو مصعب الزرقاوي) أحد أفراد القاعدة في العراق والذي كان البداية الأولى لظهور «تنظيم داعش» الإرهابي. وهنا يقول كايل أورتن مؤلف الدراسة بالعودة إلى كتاب «إدارة التوحش» الذي كتبه خليل الحكيم (أبو بكر ناجي) والذي قضى سنوات طويلة في إيران والذي يشكل منهجاً للمتطرفين، يمكننا فهم طبيعة العلاقة التي ربطت بين الزرقاوي وجماعته الجهادية وطهران، وربما يتأكد حقيقة اللقاء الذي جمع سيف العدل بالزرقاوي في قاعدة للحرس الثوري الإيراني والذي اتفق فيه الطرفان على برنامج مشترك لطرد الأمريكيين من العراق وإنشاء الخلافة.

إيران ودعم هجمات 11 سبتمبر

يشير كايل أورتن في دراسته «العلاقة بين «القاعدة» وإيران»، إلى المراجعة الشاملة التي أجرتها اللجنة المعنية بوضع تقرير نهائي عن أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 لمحفوظات وكالة الأمن القومي الأمريكي NSA، والتي لم تحظَ بالتدقيق اللازم حينها؛ بسبب آلاف الوثائق والأدلة التي كان يجب التحقق منها، والتي قدم المحلل الاستراتيجي البارز فيليب شينون كتابه الخاص عنها، الصادر عام 2008، تحت عنوان «اللجنة: التاريخ غير الخاضع للرقابة في تحقيق 11 سبتمبر»، والذي يتناول بالدراسة العميقة طبيعة التورط الإيراني في أحداث 11 سبتمبر، وعلاقتها ب«القاعدة» في السودان. يقول شينون: «يشير التقرير النهائي للجنة 11/ 9 إلى الصلات التي تربط إيران ب«القاعدة» في السودان (ص 61)، ومع خالد شيخ محمد مهندس «عمليات الطائرات» في 9/11 (صفحة 145 -149)، ومن ثم يتضمن قسماً في الفصل 7 (ص. 240-241) بعنوان «دعم حزب الله وإيران لتنظيم القاعدة». وكما أشار الكاتب لاحقاً، فإن هذا القسم، المستند إلى نتائج وكالة الأمن القومي، يتم تقديمه «بسياق محدود»، ومن الواضح أنه تم تقليصه في اللحظة الأخيرة من صدور التقرير الأولي عن هجمات 11 سبتمبر. وللتعويض عن ذلك، تختتم اللجنة بالقول: «إن هذا الموضوع العلاقة بين «القاعدة» وطهران يتطلب مزيداً من التحقيق من قبل حكومة الولايات المتحدة». بطبيعة الحال، أغلقت اللجنة، ولم يُبدِ أي شخص في واشنطن رسمياً اهتماماً منذ ذلك الحين.ويقدم كتاب شينون بحثاً مستفيضاً عن العلاقة بين الطرفين، بدءاً من العام 1992 في السودان، مشيراً إلى تلقي أعضاء «القاعدة» تدريبات عسكرية متطورة على أيدي ضباط إيرانيين؛ بُغية استهداف المصالح الغربية، ويقول: «كان عماد مغنية وكيلاً للحرس الثوري الإيراني، ويعد مسؤولاً عن عدة عمليات استهدفت مصالح أمريكية، كما استقدم مقاتلي «القاعدة» إلى البقاع جنوب لبنان؛ لتدريبهم على استخدام المتفجرات، خاصة الشاحنات التي تستهدف الثكنات العسكرية الأمريكية، إضافة إلى عمليات الاستخبارات والأمن». توطدت علاقة طهران ب«القاعدة» عبر عماد مغنية، خلال حرب البوسنة، والتي تزامن معها في نفس الوقت مواجهات بين الحكومة المصرية والحركات الإسلامية، فر على إثرها كثير منهم؛ للجهاد في البوسنة. وبحسب الكتاب رحبت الحكومة البوسنية بقيادة علي عزت بيجوفيتش وحزب العمل الديمقراطي SDA بدعم «المجاهدين» الأجانب المرتبطين ب«القاعدة»، وهناك تعددت اللقاءات بين عماد مغنية وأيمن الظواهري. في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1995 بدأت الأيادي الإيرانية التخريبية تتجه نحو المملكة العربية السعودية، بعد تفجير سيارة مفخخة أمام منشأة تتواجد بها القوات الأمريكية في هيئة تابعة للحرس الوطني السعودي في الرياض، وخلف الحادث 5 قتلى أمريكيين وهنديين. وفي العام التالي انفجرت شاحنة أخرى مفخخة هدمت أجزاء كبيرة من مجمع «أبراج الخبر» للقوات الأمريكية على الساحل الشرقي للمملكة، مما أسفر عن مقتل 19 عسكرياً، وأثبتت الأدلة اللاحقة بقوة أن العملية كانت «إيرانية»، نفذت عبر عملاء يطلقون على أنفسهم «حزب الله الحجاز»، أو «حزب الله السعودي».يستشهد أورتن في دراسته بما ذكره ماثيو ليفيت، المسؤول السابق في مكافحة الإرهاب بوزارة الخزانة الأمريكية، في كتابه «حزب الله: البصمة العالمية» من أن العملية بأكملها تم التخطيط لها وتمويلها ورعايتها من قبل القيادة العليا في إيران. وقال ليفيت في الكتاب: «دبر الإيرانيون عملية الخبر من سفارتهم في دمشق، وفي ظل نظام بوليسي مثل حافظ الأسد، يصعب التصديق بأن النظام السوري لم يكن على علم بما كان يحدث». بينما تعيد دراسة «العلاقة بين «القاعدة» وإيران» التأكيد على الدور المفصلي والمهم، الذي لعبته طهران لتطوير «تنظيم القاعدة» كمؤسسة، وبدا ذلك جلياً على عملياتها نهاية الثمانينات التي استهدفت السفارات الأمريكية في شرق إفريقيا 1998 «تفجير انتحاري نفسه عند شاحنة مفخخة على مقربة من السفارة الأمريكية في تنزانيا، والذي أسفر عن مقتل 11 وإصابة 100. وبعد عدة دقائق ضرب تفجير آخر متطابق السفارة الأمريكية في نيروبي بكينيا أسفر عن مقتل 213 شخصاً من بينهم 12 أمريكياً. وهنا تقول الدراسة، لم تكن «القاعدة» تمتلك الخبرة الفنية اللازمة لتنفيذ تفجيرات السفارة، وسعى ابن لادن للحصول على الخبرة الإيرانية، وبالفعل تم تدريب محمد صلاح الدين زيدان (سيف العدل) على استخدام الشاحنات المفخخة في معسكرات حزب الله في لبنان، وعليه لا يحتاج أي عاقل إلى دلائل أخرى تؤكد دعم إيران وحزب الله الذي كان حاسماً لتنفيذ تفجيرات السفارتين 1998». أشارت الدراسة إلى توطيد الطرفين علاقتهما الثنائية بعد الهجوم على المدمرة كول عام 2000 في عدن، بعد اتفاقهما على عدو واحد مشترك، وتحيلنا إلى بعض مما جاء في أوراق لجنة تقصي الحقائق في أحداث سبتمبر/ أيلول، ومنها بعد الاعتداء على المدمرة كول، سهلت إيران سفر الجهاديين من «القاعدة» إلى أفغانستان عبر أراضيها، بتجنب وضع «الأختام المعبرة في جوازات سفر هؤلاء المسافرين». وتضيف: «سافر عدد من منفذي الاعتداءات إلى إيران أو خارجها بين أكتوبر/ تشرين الأول 2000 وفبراير/ شباط 2001». و«هناك أيضاً أدلة قوية على أن إيران، من خلال حزب الله، كانت تتابع عن كثب سفر عدد من مختطفي الطائرات». ويوثق تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر سلسلة أحداث غريبة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2000، منها حالة سالم الحازمي، وكان من بين الذين حطموا طائرة الخطوط الجوية الأمريكية رقم 77 فوق مبنى البنتاجون؛ إذ سافر من السعودية إلى بيروت لأسباب غير معروفة. وكذلك أحمد الغامدي، أحد مختطفي الرحلة 175 لشركة يونايتد أيرلاينز، التي تحطمت في البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي، سافر من إيران إلى بيروت، كما كان أحد نشطاء حزب الله على متن نفس الرحلة. إضافة إلى وائل الشحري وشقيقه وليد، مختطفي الطائرة الأولى للخطوط الجوية الأمريكية، كانوا في رحلة إلى إيران قبل وصولهم أمريكا. خلصت لجنة الحادي عشر من سبتمبر إلى نتيجة مضمونها أن «إيران وحزب الله كانوا على علم بالتخطيط لما أصبح فيما بعد هجوم 11 سبتمبر»، وليس من المرجح بالضبط معرفة ما كانت عليه الخطة في ذلك الوقت. بعد 11 سبتمبر، نفت إيران وحزب الله بإصرار أي دليل سابق على التعاون مع الإرهابيين السنة المرتبطين ب«القاعدة»، بحجة الاختلاف المذهبي بينها وبينهم.

«القاعدة» و«الملالي» في اليمن

الهجوم على المدمرة الأمريكية (يو إس إس كول) في ميناء عدن باليمن بالعام 2000 كان المحطة الأخيرة قبل هجمات 11 سبتمبر، وأول استعراض للتعاون الوثيق بين «القاعدة» وإيران. وهنا تكشف الدراسة : «أعلنت القاعدة عن نفسها بعد استهداف المدمرة الأمريكية في عدن بعد تفجير اثنين من عناصرها أبحرا في مركب شراعي مفجرين نفسيهما بجوار الناقلة العملاقة. كانت عملية كاملة للتنظيم الذي اختار مكان الهجوم، والتوقيت، ووفر الدعم المالي للتنفيذ، وعندها برز القائد الميداني في اليمن عبد الرحمن النشيري».في العام 2015 أشار القاضي الأمريكي رودلف كونتيراس إلى أن إيران مكنت القاعدة من القيام بهذا النوع من الهجمات عن طريق نقل الخبرات والدعم اللوجستي، واعتبرت «إيران كنقطة عبور» لنقل الأموال ومقاتلي «القاعدة». وتنقل عنه الدراسة قوله«فيما يتعلق بهجوم عام 2000 انتقل النشيري»عبر إيران قبل وبعد التفجير«. وتضيف»في السنوات التي سبقت تفجير المدمرة كول، كانت إيران تشارك بشكل مباشر في تأسيس شبكة القاعدة في اليمن وطبقاً للأدلة المقدمة إلى كونتريراس وجه الظواهري الشكر للإيرانيين على مساعدتهم في إنشاء شبكات القاعدة في اليمن.وتبقى المفارقة المثيرة اليوم من تحول دعم إيران إلى الميليشيات الشيعية الحويثية التي نفذت انقلاباً على الحكومة الشرعية في صنعاء في العام 2015، وانتقال القاعدة من خانة «أصدقاء الأمس» إلى «أعداء اليوم» بعد انخراط «القاعدة» في المعارك ضد التمرد الحوثي.

طهران و«القاعدة» في سوريا

في العام 2011 أقرت وزارة الخزانة الأمريكية علناً بوجود «اتفاق سري» استضافت بموجبه إيران فلول «القاعدة» الهاربين من أفغانستان؛ بغية إبقائهم تحت الأعين، واعتبر ذلك جزءاً من دعم إيران للحرب العالمية على الإرهاب!، وفي العام 2016 قال ديفيد سي كوهين، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية، إن إيران لعبت دوراً في نقل الأسلحة والأموال والرجال إلى «القاعدة» في سوريا منذ العام 2009. أما أخطر التقارير الحديثة في هذا الصدد، والصادر عن فريق من خبراء الأمم المتحدة الشهر الماضي عن الأحداث في سوريا، فأشار إلى أن زعماء «القاعدة» في إيران، أصبحوا «أكثر نفوذاً»، ويعملون مع زعيم التنظيم أيمن الظواهري؛ للتأثير في الأحداث في سوريا، حيث نقل التقرير عن سفراء دول أعضاء بالأمم المتحدة، قولهم، إن الإيرانيين والظواهري تعاونوا مع جماعة على صلة بتنظيم «القاعدة» في إدلب السورية. وجاء في التقرير الذي ناقشه مجلس الأمن، «إنه على الرغم من هزيمة تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، إلا أنه من المرجح أن «نسخة سرية» من جوهر الجماعة المتطرفة ستبقى في البلدين، مع وجود مؤيدين لها في أفغانستان وليبيا وجنوب شرق آسيا وغرب إفريقيا». وأضاف: يؤكد الخبراء أن شبكة «القاعدة» العالمية أوسع بكثير من «داعش» بما في ذلك الصومال واليمن وجنوب آسيا ومنطقة الساحل الإفريقية.

وثائق «آبوت أباد»

كانت وثائق «أبوت آباد» التي حصلت عليها القوات الأمريكية من مخبأ زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن لدى مقتله عام 2011 في باكستان، ونشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «(CIA) في نوفمبر الماضي، كشفت تفاصيل جزء من علاقة إيران بتنظيم القاعدة.ومن بين 470 ألف وثيقة تم الحصول عليها من مخبأ بن لادن، خصصت 19 صفحة من هذا الأرشيف الكبير لعلاقات القاعدة البارزة مع الحكومة الإيرانية.الباحثان توماس جوسلين و بيل راجيف من «معهد الدفاع عن الديمقراطيات» قدما قراءتهما حول تفاصيل 19 صفحة المرتبطة بعلاقات تنظيم القاعدة إيران، إضافة إلى دراسة حديثة نشرت الشهر الماضي وأعدها مركز «أمريكا الجديدة» في واشنطن، واعتمدت على 300 وثيقة سرية حصلت عليها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه»، بعد الهجوم على المجمع الذي كان يسكنه زعيم القاعدة، أسامة بن لادن،إلى علاقة التعاون بين إيران وتنظيم القاعدة بهدف خدمة المصالح الإيرانية.وأكدت تلك الوثائق أن التعاون بين إيران والقاعدة لم يكن «على أساس استراتيجي» وذلك بسبب «الاختلاف الأيديولوجي، وغياب الثقة بين الطرفين»، بل كانت علاقاتهما بسبب «المصالح المتبادلة التي تقتضيها ظروف كل مرحلة»، مؤكدة أن «أي تعاون قد تقدمه إيران للقاعدة سيكون مبنياً على أساس خدمة سياستها الخارجية ضد الولايات المتحدة».ذكرت الوثيقة أن «إيران مستعدة لتقديم دعم ومساعدة، بالمال والسلاح، وكل ما هو مطلوب، كما اقترحت طهران على بعض (الجهاديين الجدد) التدرب في معسكرات حزب الله في لبنان، من أجل مهاجمة مصالح أمريكية في السعودية والخليج».كما أشارت إحدى الوثائق، إلى أن إيران حاولت في عام 2004، إقناع بن لادن بالتوسط لوقف هجمات زعيم القاعدة في العراق «أبو مصعب الزرقاوي» ضد الشيعة والمزارات المقدسة في العراق. وبينت أن «القاعدة كانت ترى أن إيران وضعت، في البداية، سياسة مرنة نحوها، وذلك منذ تأسيسها عام 1988، لهذا لم يجد أفراد التنظيم، بل حتى أفراد أسرة ابن لادن، غضاضة في اللجوء إلى إيران، بعد هجمات 11 سبتمبر وما تلاها من سقوط طالبان، وأيضا استخدام القاعدة إيران ممرا لتهريب الأشخاص والمال سرا».ولم تخف تلك الوثائق عدم الثقة القائمة بين الطرفين، وتصوير القاعدة لإيران على أنها «كيان معاد» وأن زيارة أو إقامة أعضاء من القاعدة في إيران، رغم اعتراض البعض، كانت ملاذا مؤقتا، أو ممرا آمنا لدول أخرى، حيث ترى الدراسة الأمريكية ان «عدم الثقة بين إيران والقاعدة أثبتته وثيقة من وثائق القاعدة، تصف الولايات المتحدة بأنها العدو الحالي، وأن إيران هي العدو المؤجل».وبحسب تقرير مركز «أمريكا الجديدة» قل عامل عدم الثقة بين إيران والقاعدة لسببين، الأول يتمثل في أن طهران كانت تبحث عن تحالفات ضد الولايات المتحدة، فيما كانت تبحث القاعدة عن ملجأ لها في إيران بعد هروب قادتها من أفغانستان، وقد كشفت الوثائق، أن «القاعدة كانت براجماتية في جهودها لتأمين الملجأ لقادتها، أو الإفراج عن قادتها الذين اعتقلوا هنا وهناك».

ابن لادن وقاسم سليماني

في كتاب «المنفى: رحلة أسامة بن لادن» تتبع المحللان أدريان ليفي وكاثرين سكوت كلارك اللحظات الفارقة في عمر تنظيم القاعدة بعد اتهامه بتنفيذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وانتهيا إلى أن كثيراً من قيادات التنظيم نجت بفضل الدعم والحماية والملاذ الآمن الذي وفرته لهم باكستان وإيران. ويؤكد الكتاب إنشاء أسامة بن لادن خط اتصال مباشر مع قاسم سليماني رئيس فيلق القدس الذي وافق شخصياً على قرار إيواء مقاتلي القاعدة وعائلاتهم في إيران.ويشير الكتاب إلى الدور الذي لعبه أيمن الظواهري في تقوية العلاقات بين طالبان والإيرانيين بعد سنوات من التوتر الذي شاب علاقتهما بسبب قتل طالبان لدبلوماسيين إيرانيين في مزار شريف (أفغانستان)، كما يؤكد تقديم طهران صواريخ أرض جو وغيرها من المعدات إلى «حركة طالبان» لاستخدامها ضد قوات الناتو مع الإشارة إلى أن نقل هذه الأسلحة تم مطلع الألفية وقبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وشن واشنطن حربها ضد كابول.يستنتج الكاتبان أن الكثير من قادة تنظيم القاعدة فروا إلى إيران بعد الحرب الأمريكية ضد أفغانستان، وعلى الرغم من تأكيد حكومة طهران أنهم كانوا قيد الإقامة الجبرية، إلا أن كل المؤشرات تدل على أنهم كانوا في ظروف أقرب إلى «سجن مفتوح».وعلى الرغم من أجواء عدم الثقة التي سادت العلاقة بين الطرفين خلال إقامة قادة القاعدة على الأراضي الإيرانية، إلا أنهما حافظا على حد أدنى من المصالح المشتركة يتمثل في استمرار عدائهما المشترك ل«أمريكا»، إضافة إلى التزام طهران بعدم تسليم أياً منهم للولايات المتحدة، ولا حتى إلى أفغانستان.

<br/>
منتدى معلمي الاردن

Copyright © 2009-2024 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved