منتدى معلمي الاردن
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://www.jo-teachers.com/forum/t6438
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

الديمقراطية الهندية
بيسان القدومي 30-11-2019 12:54 مساءً
تأليف: ألف جونفالد نيلسن
[/b][b]عرض وترجمة: نضال إبراهيم

لطالما شكلت التعددية في الهند تحدياً هائلاً لديمقراطيتها المتأسسة منذ 70 عاماً، حيث يعتقد الكثيرون أن صدام الهويات القائم على المنطقة واللغة والطائفة والدين والعرق والقبيلة سيؤدي إلى زوالها. ومع صعود حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة، يطرح مؤلف هذا الكتاب السؤال: هل ما زال حلم الديمقراطية الهندية على قيد الحياة وبصحة جيدة؟يستكشف هذا الكتاب التناقضات الموجودة في قلب المشروع الديمقراطي الهندي، ويعاين أصولها ومساراتها ومساقاتها. وينبثق من مجموعة من المحادثات التي جرت في أوسلو في عام 2017 لتقييم القضايا العالقة أو المتناقضة، فضلاً عن الخطوط العريضة للديمقراطية الشعبية في الهند بعد 70 عاماً من استقلال البلاد. يقول الكاتب: «أعلن جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند في كلمته أمام الجمعية التأسيسية للبلاد قبيل منتصف ليلة 14 أغسطس من العام 1947:«منذ سنوات طويلة حددنا موعدنا مع القدر، وقد حان الوقت الآن للوفاء بذلك الوعد. في اليوم التالي دخلت الهند إلى صفوف الدول ذات السيادة، بعد أن خضعت للحكم البريطاني منذ عام 1858». ويرى أن نهرو سار في وضع رؤية للبلاد، خالية من نير الاستعمار تحت سؤال: فإلى أين نذهب وما شكل مسعانا الذي نبتغيه؟ لنحقق الحرية وإتاحة الفرص لعامة الناس وللعمال والفلاحين في الهند، لنكافح الفقر والجهل والمرض؛ لبناء أمة مزدهرة ديمقراطية وتقدمية، وكذلك لإنشاء المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي ستضمن العدالة والعيش الكريم لكل رجلٍ وامرأة».في نظر نهرو، كانت المخاطر كبيرة للغاية عندما قال: «أمامنا عمل شاق، ولن يهدأ لنا بال حتى الوفاء بتعهداتنا كاملةً وحتى نحدد المصير المحتوم لكل الشعب الهندي».

مسارات معقدة

«في عام 2017، عندما رسم الباحثون والنقاد والمعلقون في الهند المسارات المعقدة للديمقراطية الهندية على مدار العقود السبعة التي بدأت منذ الاستقلال. تم تسليط الضوء باستمرار على مسار فريد هو: الاستقرار الملحوظ، وديمومة وحيوية الديمقراطية في الهند». «شهد قدوم الاستقلال الوطني إدخال حق التصويت العام ونظام ديمقراطي انتخابي - باستثناء فترة الطوارئ الممتدة من 1975إلى 1977 - ظل مستقراً ما يقارب السبعين عاماً. أحد الأسباب الرئيسية لهذا الوضع هو أن الديمقراطية الهندية جذبت جذوراً شعبية عميقة: انتخابات البلاد وهي أكبر الممارسات لحق التصويت العام في أي مكان من العالم، وحيث مارس الفقراء والمهمشون حقهم في التصويت بحماسٍ أكبر وبنسبة أكبر منها في الطبقات الوسطى والنخب في الهند». «ومع ذلك، وبما لا شك فيه ولو أن ديمقراطية الهند صمدت أمام اختبار الزمن بطريقةٍ بارعة، فمن الواضح بنفس القدر أن التطلع إلى ضمان تحقيق العدالة والحياة الحرة الكريمة لجميع مواطنيها قد تعرض للخيانة بطرقٍ ما. ويمكن القول بأن هذا يتضح بجلاء في حقيقة أنه في العام السبعين من استقلال الهند، كان هناك 57 مليارديراً يمتلكون ثروة تقدر بما يملكه نسبة ال 70% الأفقر من سكان الهند. ومن الواضح بشكلٍ لا لبس فيه استمرار الظلم الجنساني الذي يُلحق عادةً بأجسام النساء والفتيات الهنديات من خلال أعمال العنف الجنسي في كل مكان».«مع اقتراب موعد الانتخابات العامة لعام 2019، كان هناك شعور واضح مفاده أن الديمقراطية الهندية باتت إلى حدٍ ما في مفترق طرق. في إبريل عام 2014، استحوذ حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي على السلطة في الانتخابات العامة التي نصبت ناريندرا مودي الرجل القوي صديق السوق في ولاية جوجارات الغربية كرئيس للوزراء. منذ ذلك الحين زاد الحزب من نفوذه الانتخابي: سواء كان ذلك على أساس الأغلبية أو الائتلافات، ففي وقت كتابة هذا العمل، تجاوزت هيمنة حزب بهارتيا جاناتا في السياسة الانتخابية إلى ما بعد المستوى الوطني في دلهي، حيث وصلت إلى 20 ولاية من أصل 29 ولاية في الهند».«لذا فإن سيناريو إحكام قبضتها القوية على زمام السلطة خاصةً في قلب الشمال الهندي، بالاقتران مع فترة ولاية ثانية ومزيد من التوطيد للسلطة، أمر مقلق للغاية. وقد تم ترقية الموالين لحزب بهارتيا جاناتا إلى مراكز السلطة في المؤسسات الوطنية للتعليم والثقافة بطرقٍ تجعل الدولة نفسها امتداداً لسلطة الهندوتفا «الهندوسية القومية». هذا لا يعني أن الديمقراطية الهندية معرضة لخطر الانهيار الفوري، بيد أنه يتضح لنا بأننا نمر بمنعطفٍ محفوف بالمخاطر في أكبر ديمقراطية بالعالم».

بين الفقر والازدهار

قال ناريندرا مودي لرؤساء الدول ومديري الشركات والمشاهير العالميين الذين تجمعوا في دافوس لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2018: «إن الديمقراطية مسألة فخر كبير لنا». وقال: «إن الديمقراطية الكبرى على الأرض هي أيضاً الاقتصاد الرئيسي الأسرع نمواً». عكست هذه الرسالة صورته الداخلية بأنه نيكاس بوروش، رجل التنمية. في الواقع، مودي في فوزه الساحق في الانتخابات العامة لعام 2014 حيث فاز حزب بهارتيا جاناتا ب 282 من أصل 543 مقعداً في البرلمان استند إلى درجة كبيرة على وعد بأنه حكمه سيحقق «اكي دين»، أي أيام سعيدة للشعب الهندي. يعلق الكاتب على خطاب مودي قائلاً: «إن خطاب مودي يتناقض مع الواقع. بادئ ذي بدء، تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند إلى حدٍ كبير في عام 2017 مقارنة بالعام الذي قبله، ونتيجة لذلك فقدت الهند مكانتها باعتبارها الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم. ولكن الأهم من ذلك هو أن النمو الاقتصادي الكبير في الهند يرتكز على عملية تنمية غير متكافئة وغير متوازنة على حدٍ سواء. وقد أوضح خبيرا الاقتصاد: أمارتين سين وجان دريز، أن مؤشرات التنمية الاجتماعية في الهند أضعف من تلك الموجودة في البلدان المجاورة الأفقر. يوجد في الهند معدل أعلى لوفيات الرضع، ومتوسط أقصر لسنوات الدراسة، ومعدل أقل لمحو الأمية لدى النساء منها في باكستان وبنجلادش وسريلانكا ونيبال. وعلاوة على ذلك، يعاني 44% من جميع أطفال الهند سوء التغذية، أي أن أكثر من ضعف عدد الأطفال في إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. وهذه المسألة أولاً وقبل كل شيء تُعزى إلى حقيقة أن القليل جداً من الناتج القومي الإجمالي المتنامي للبلاد يتم استثماره في توسيع البنية التحتية الاجتماعية والحماية الاجتماعية للمواطنين الأكثر ضعفاً. إن موقع الهند في التصنيف العالمي لجميع المؤشرات آخذ في الانخفاض، باستثناء مؤشر سهولة ممارسة الأعمال التجارية».ويضيف: «بالإضافة إلى ذلك، يعجز النمو الاقتصادي في الهند عن توفير فرص عمل كافية، فقد أصيبت العمالة الصناعية بالركود، وتراجع كسب العيش ل 81% من السكان العاملين ضمن القطاع غير الرسمي، حيث إن مستويات الدخل متدنية، وظروف العمل سيئة، والعمالة هشة وغير مستقرة. ويشكل ضعف مؤشرات التنمية الاجتماعية ونمو البطالة، جزءاً من صورة أكبر تتسم باستمرار الفقر وتعميق أوجه عدم المساواة. وفقاً لمبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية، يعيش أكثر من 60 % من سكان الهند على أقل من 3.10 دولار أمريكي في اليوم. وفي الوقت نفسه، فإن أغنى 1 % من السكان يحصلون على نسبة مذهلة تبلغ 22 % من إجمالي الدخل، ويملكون 73% من جميع ثروات الاقتصاد الهندي».«وبالتالي فإن الهند وهي في عامها السبعين من الاستقلال، تشهد على ما يبدو عودة ظهور دولتين: واحدة مزدهرة، والأخرى منكوبة بالفقر. وبعبارة أخرى، في حين أن الديمقراطية الرسمية متجسدة في حق الاقتراع العام، والانتخابات التنافسية الدورية، والحقوق النقابية المدونة والمنفذة من خلال القانون، قد حافظت على قوتها بشكلٍ جيد، إلا أنه لا يزال هناك الكثير مما هو مطلوب من حيث قدرة المجموعات التابعة على ممارسة حقوقها والنهوض بعملية إعادة التوزيع والتقدير الموضوعيين. يجب فهم هذا النمط من التنمية غير المتكافئة وغير المتوازنة فيما يتعلق بالمسار السياسي المتناقض للهند في أعقاب الاستقلال».

الديمقراطية وعوائقها

منذ استقلال البلاد عام 1947 كانت الديمقراطية تحت سيطرة النخبة في البلاد، وبقيت كذلك لعقود. لقد كان الرجال بأغلبية ساحقة من الطبقات العليا يسيطرون على مقاليد السلطة في حزب المؤتمر، الذي كان يقود الحركة الجماهيرية من أجل الاستقلال منذ عشرينات القرن العشرين. والمؤتمر بدوره ضمّن سيطرته من خلال التحالفات مع الإقطاعيين في الريف. وهؤلاء بدورهم سيطروا على من صوّتت الطبقات الدنيا والداليت لصالحهم في الانتخابات الوطنية وانتخابات الولايات. وبالتالي فإن أكبر ديمقراطية في العالم كانت أيضاً ديمقراطية محافظة».«إن الثورة الصامتة التي دفعت بها مجموعات الطبقات الدنيا والداليت، والمشاريع المعارضة للحركات الاجتماعية الجديدة في الهند تركت بصمتها بالتأكيد: لقد انتقلت السلطة السياسية والنفوذ من المستويات الأعلى إلى المستويات الأدنى. والجماعات التي كانت مهمشة في السابق، الآن أصبح لها حضور وصوت في الديمقراطية في الهند. ومع ذلك فلا يبدو أن هذه الديناميات قد غيرت بشكلٍ حاسم الطابع السلطوي في البنية السياسية للهند. فمثلاً على الرغم من أن ولاية أوتار براديش حكمها حزب تاهوجان ساماج وحزب ساماجوادي ذوا الانتماء الطبقي الأدنى في الفترة ما بين بداية التسعينات و2014، إلا أن المؤشرات الاجتماعية بين الطبقات الدنيا والداليت في الولاية هي أسوأ بكثير مما هي عليه في بقية الهند». «نجد بشكلٍ رئيسي أن الشرائح الأكثر ثراءً وملاكي الأراضي بين الطبقات الدنيا هي التي جنت فوائد تغيير معادلات القوى السياسية. وعلى عكس ذلك، نجد أن أكثر من 40% من الداليت في أوتار براديش ما زالت تعيش في الفقر. كما تشهد الهند حوادث الخطف والاغتصاب، ولا تزال أشكال العنف الجنساني وعدم المساواة بين الجنسين قائمة. وفيما يتعلق بسوء التوزيع الهائل للثروة والدخل في الهند حالياً، فهي أعراض تعبر عن حقيقة السياسات الليبرالية الجديدة التي عملت على تغذية عمليات التراكم المتعددة عن طريق نزع الملكية لصالح النخب الاقتصادية في البلاد، على مدى العقود الثلاثة الماضية. باختصار على الرغم من ديمومة واستقرار وشعبية جذورها العميقة، فلا تزال الديمقراطية الهندية مليئة بالمآزق».

مفترق طرق

يمكن القول بأنه من المهم أكثر من أي وقتٍ مضى، متابعة المحادثات الموسعة والحاسمة حول مسارات الديمقراطية الهندية: ابتداءً من نشأتها، مروراً بحاضرها المتناقض، ووصولاً إلى مستقبلها المحتمل، وكذلك في نضالها. وهذا ما يتحدث عنه هذا الكتاب من خلال الجمع بين الباحثين والنشطاء والمفكرين الجماهيريين للبحث في مجموعة كبيرة من الأسئلة من قبيل: كيف ساهمت الطبقة وسلطة الطائفة في صياغة الديمقراطية في الهند في مرحلة ما بعد الاستعمار؟ وكيف يمكننا فهم الدور التأسيسي للعنف في صنع جمهورية الهند؟ ودور ونضال المرأة في هذه الديمقراطية وغيرها من الأسئلة الحاسمة. كما يبحث الكتاب في الحياة المعاصرة للطبقة الاجتماعية وكذلك صعود نجم اليمين الهندوسي، في سياق مشروع إعادة إحياء هندوتفا. والهدف من كل هذا، هو توفير موارد فكرية يمكن تعبئتها للدفاع عن ديمقراطية الهند في الوقت الراهن والتي قد تغذي مفاهيم المتمردين حول صياغة ديمقراطية أكثر موضوعية.

<br/>
منتدى معلمي الاردن

Copyright © 2009-2024 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved