منتدى معلمي الاردن
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://www.jo-teachers.com/forum/t6431
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

إمبراطورية متمردة
بيسان القدومي 30-11-2019 12:54 مساءً
تأليف: بريامفادا غوبال عرض وترجمة: نضال إبراهيم

واجه المشروع البريطاني، مقاومة شرسة خارج وداخل بريطانيا خلال القرن الماضي، وأسهمت الانتقادات في تشكيل خطاب يطالب بالحرية والعدالة لجميع الشعوب المستعمرة، كما احتفى العديد من الناشطين البريطانيين بشخصيات، أرست دعائم هذا النقد في قلب الإمبراطورية. يحاول هذا الكتاب دراسة علاقات التأثر والتأثير بين الإمبراطورية البريطانية ومستعمراتها، ويتطرق إلى أشكال النضال ضد الاستعمار، خاصة في الداخل البريطاني.تكمن أهمية هذا الكتاب في طرحه لفكرتين رئيسيتين تربطان خطوط الكتاب وتمتدان عبر صفحاته؛ تطرح الفكرة الأولى موضوع أن المشروع البريطاني واجه مقاومة شرسة خارج بريطانيا، وأن تلك المقاومة في الواقع، احتوت الكثير من الأفكار حول ما تعنيه الحرية وماهيتها. فيما تشير الفكرة الثانية في الكتاب إلى كون هذه الأفكار المتعلقة بماهية الحرية مؤثرة في تشكيل النقد البريطاني للإمبراطورية، الذي تمثّل في تقليد معارض ينتقد ذلك المشروع ويفكك خطابه.

نقل مفهوم التمرد إلى الداخل

تعرض بريامفادا غوبال، الباحثة والأكاديمية في جامعة كامبريدج البريطانية في كتابها «إمبراطورية متمردة.. المقاومة ضد الاستعمار والمعارضة البريطانية» الصادر عن دار فِرسو (2019) إلى الكيفية التي كانت فيها الدول والمجتمعات التي استعبدتها بريطانيا وسيطرت عليها في مشروعها الكولونيالي ناشطة في سعيها للتحرر. كما أن هذا العمل أسهم بقوة في تشكيل أفكار الحرية والتحرر داخل المملكة المتحدة ذاتها. وفي سبيل هذا، ترصد الكاتبة بالدراسة والتحليل قرناً كاملاً من التمرد على مسألة الإمبراطورية وتظهر كيف تأثر نقاد مفهوم الإمبراطورية من البريطانيين بالثورات وحركات المقاومة التي جرت في المستعمرات، من جزر الهند الغربية وشرق إفريقيا إلى مصر والهند. والأهم من هذا، كيف لعبت هذه الحركات التحررية، انطلاقاً من مفاهيمها النظرية، دوراً محورياً في إثارة المقاومة التي تبناها مناهضو السياسات الاستعمارية التي تركزت في لندن، أي في قلب الإمبراطورية تماماً. ثمة الكثير من الكتابات حول الكيفية التي تلقت بها الشعوب المستَعمرة الأفكار البريطانية والغربية عموماً وحوّلتها إلى قوالب نظرية نتج عنها فعل مناهض للإمبراطورية وداعٍ للتحرر والحكم الذاتي. لكن كتاب «إمبراطورية متمردة» يرفض تصوير تلك الشعوب كضحايا للإمبريالية، أو أنهم مجرد مستفيدين سلبيين للوعي البريطاني المستنير، بل إنهم - بحسب الكاتبة- متمردون ذوو إرث سيستفيد منه فيما بعد أبناء الأمة التي كانت تضطهدهم. ربما تكمن الجدة في ما يطرحه الكتاب ضمن سياق السرديات النقدية الموجودة بما يقترحه من أفكار تتعلق بكون المقاومة «الداخلية» للسياسات والممارسات الاستعمارية جاء بداية من الحوار، وتكرس عبر التعلم النشط والفعال من الحركات المناهضة للاستعمار؛ إذ تظهر الكاتبة أن أفكار الحرية والعدالة والإنسانية المشتركة، وهي القيم التي باسمها ثار مناهضو الاستعمار ورفعوا مطالبهم، كانت هي بالتحديد ما تشكّل بطانة النضال ضد الاستعمار على الصعيد النظري، ومن ثم في نطاق الفعل، لتخلق لاحقاً جبهة داخلية من مناهضي الاستعمار، كان من أولهم وأبرزهم إرنست جونز.

أفكار مؤسسة لمناهضة الإمبراطورية

يقع كتاب «إمبراطورية متمردة.. المقاومة ضد الاستعمار والمعارضة البريطانية» في 624 صفحة. يضم مقدمة «أعداء الإمبراطورية» وجزءاً أول «أزمات وارتباطات» يحتوي على أربعة فصول، وجزءاً ثانياً «اضطرابات وتحالفات» يحتوي على ستة فصول. إضافة إلى خاتمة بعنوان «حصان الحرية العجيب». تنتهج الكاتبة أسلوب التحليل التاريخي، ومع أن هناك باحثون كثر ممن اهتموا قبلها بدراسة السياسات الاستعمارية وعلاقات التابع (لعل من أبرزهم راناجيت غُها، بارثا تشاترجي وغاياتري تشاكرافوتري سبيفاك. إضافة طبعاً إلى ما أنجزه الأمريكي بول آشكروفت وآخرون في العمل المهم «الإمبراطورية ترد بالكتابة»;)، إلا أن بريامفادا غوبال تحلل كيف انعكست السياسات الاستعمارية البريطانية خارجياً على الشعوب المستعمَرة المتمردة، ثم ارتداد ذلك على الداخل البريطاني، عبر من أسمتهم «أوائل منتقدي» الإمبراطورية. في سياق دراستها، تتبع غوبال فكرة مفادها بأن ثمة وعياً تدريجياً بأن الإمبراطورية كانت تدار وفق مصالح الرأسمالية أكثر من توجهها لمبدأ الغيرية والإيثار. كما أن هناك عنصراً رئيسياً في المفهوم الحقيقي للحرية، يتمثل في وجوب تحقيقها، لا انتظار أن تعطى. وهنا يتواشج منهجها مع السياق الذي سبق وأن قدمته نانسي كونراد وسيلفيا بنكهورست في نقد الكولونيالية، ومع جي. دبليو. غوردن وجورج بادمور في مواجهة خطاب التمييز العرقي. بل وحتى مع أطروحات مناهضي الاستعمار خارج القارة الأوروبية مثل المفكر جمال الدين الأفغاني. يهدف هذا التواشج الفكري عبر الدراسات والأفكار إلى تقديم تاريخ معقد لصعود فكرة التمرد ونقد المشروع الاستعماري، وما شمله ذلك من بَشر ومشاريع عمل. وهي خطوة أولى مهمة في كشف جانب من التاريخ، بقي متجاهلاً لفترة طويلة. وتشير الكاتبة في متن الكتاب إلى تأثير ذلك على سياسات بريطانيا اليوم. فتذكر مثالاً يتلخص بالسياسي المحافظ هارولد ماكميلان، الذي عمل لفترة قصيرة كمسؤول في وزارة خارجية المستعمرات عام 1942. إذ وصف ماكميلان علاقة بريطانيا بالمستعمرات بأنها «شراكة»، مبرراً استغلال بريطانيا لثروات المستعمرات. لكن خلال عمله كوزير للخارجية (1957-1963) كانت بعض المستعمرات البريطانية قد حصلت على استقلالها، فمضى يقول إن هناك «وعياً وطنياً» يتمثل في أن فكرة التحرر عند تلك المستعمرات كانت «ابتكاراً غربياً»، وأن «الحكم الذاتي» كان قاعدة استعمارية لم تغب عن بال الإمبراطورية البريطانية. وبالتالي فإن «الحرية» ذاتها- بكل معانيها- ماهي إلا «ابتكار غربي». ترى غوبال أن هذه الأفكار لا تزال سائدة إلى اليوم في الحياة السياسية البريطانية.

اللغة سلاحاً

في مقدمة الكتاب، تبدأ الكاتبة باقتباس للكاتب والصحفي البريطاني بيتر فراير، من كتابه «السود في الإمبراطورية: مقدمة»: «أبداً لم يكن السود داخل الإمبراطورية ضحايا مستسلمين. بل على العكس، كانوا في كل مكان مقاومين مفعمين بالحياة». ثم تقول:«في الأدبيات الاستعمارية والدراسات التاريخية المتعلقة بما بعد الكولونيالية، غالباً ما يتركز الاهتمام على الطرق التي يأخذ المتابع للأفكار البريطانية و «يقلبها» ضد الإمبراطورية (كما هو مذكور في عمل بيل آشكروفت «الرد بالكتابة»;) لاسيما عند تناول أفكار التحرر وامتلاك الإرادة والقرار. تكمن أهمية هذه الفكرة في تطوير «لغة» توظّف ضد المستعمِر. أول من طرح هذه الفكرة هو الناقد الأمريكي اللاتيني روبرتو فرنانديز ريتامار، ثم تم تعميمها لما هو أبعد من استخدامها التاريخي المحدود». ثم تنتقل الكاتبة في موضع آخر لذكر أن «القومية المناهضة للاستعمار كانت نتيجة نزعة الحكام الاستعماريين ذاتهم لبناء مؤسسات وكيانات سياسية، انتمى إليها السياسيون المحليون واستخدموها ضد «أسيادهم». مما يثير، بحسب الباحث الهولندي يان ندرفين بيترز مثال كاليبان شكسبير. ففي مسرحية «العاصفة»، يتعلم كاليبان اللغة من سيده بروسبيرو، ثم يستخدمها للعن ما يعيشه من عبودية». ثم تتوسع غوبال في عرض تفصيلي لملاحظات بيترز على الجوانب اللغوية من الجدل الاستعماري للعلاقات بين المستعمرات والإمبراطورية. وتصل إلى أن في عمق هذا الجدل، يمكن أن نلمح ظهور النقد البريطاني تجاه الإمبراطورية البريطانية من الداخل. تتطرق الكاتبة إلى الانتفاضة الهندية عام 1857 وموقف الطبيب والمحلل النفسي البريطاني إرنست جونز إزاءها، وهو صاحب المقولة التي نشرها خلال تلك الأحداث: «الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها. الشمس لا تغيب أبداً، لكن الدم لا يمكن أن يجف». ترى غوبال أن إرنست جونز من أوائل المنتقدين الشرسين للإمبراطورية، وقد «أطلقت الانتفاضة خياله، وأسست بوضوح لانتقاداته للمشروع الاستعماري، وقادته إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ توجّه إلى العمال البريطانيين الذين أخذت أحوالهم تسوء، وطلب منهم التعلم من المتمردين الهنود». وبهذا، فإن كتاب غوبال يحاجج بأن ظهور هذه المعارضة الداخلية «كانت نتيجة «ديالكتيك» يمكن تعقب علاقات التأثر والتأثير بين الاتجاهين». كما تتساءل الكاتبة في غير موضع عن التأثير المحتمل لإرنست جونز على صديقه كارل ماركس، وعلى الأعمال اللاحقة والمؤثرة التي قدمها ماركس لاحقاً.

تفكيك أفكار «لوبيات الإنكار»

حظي الكتاب بتقدير أكاديمي واضح، وبدأ الكثير من القراء والنقاد بربط أفكاره مع الواقع البريطاني اليوم بقضاياه الشائكة التي تبدأ مع البريكست ولا تنتهي به، بالنسبة للسياسيين البريطانيين والعاملين في الشأن العام. وتظهر قدرة الكاتبة على ربط الحركات التحررية الخارجية بالحركات العمالية في الداخل. وهي تقدم أفكارها بمواجهة «لوبيات الإنكار» البريطانية التي تمجد الإمبراطورية البريطانية وسياساتها، وتؤطر السياسات المعاصرة وفق مفاهيم تتخذ من مفاهيم الواقع المعيش شكلاً نظرياً لها وتحاول تطبيق ممارسات سياسية متوائمة معه، لكن غوبال تصر على ضرورة إعادة النظر في هذه المفاهيم تاريخياً لإثبات بطلان بعضها اليوم، وعدم قابليتها للتطبيق. في مواجهة «لوبيات الإنكار» تلك، تقدم الكاتبة أمثلة مؤثرة، منها الكاتبة والمؤرخة البريطانية اللامعة (الخبيرة في السياسات الاستعمارية) مارجري بيرهام، التي كانت انتفاضة الماو ماو في كينيا، أواخر أربعينات ومطلع خمسينات القرن العشرين، نقطة تحول فارقة في حياتها ونظرتها إلى بريطانيا ورفض سياسات بلدها الاستعمارية. تركز الكاتبة على عدد من الكتاب والرحالة والمثقفين والسياسيين والنشطاء ممن استطاعوا رؤية الإمبراطورية البريطانية من وجهة نظر ضحاياها. هنا، سيحدث تغير فاعل وكبير في الخطاب والأدبيات والسياق الثقافي الذي تسوّقه الأنتلجنسيا الداعمة للسياسات الإمبراطورية الاستعمارية، وسيكون بمقدور أولئك الكتاب والمثقفين تفكيك ذلك الخطاب نقدياً وتحويله إلى فعل.

هل يعاد إحياء الأسطورة؟

في الفصل الختامي للكتاب، تقول بريامفادا غوبال: «في هذا الكتاب، حاولت أن أظهر ليس فقط أن التمرد كان ظاهرة متكررة أثناء الحكم الاستعماري البريطاني، وإنما أوضحت أيضاً أن مقاومة الإمبراطورية والأزمات التي أحدثتها ساهمت بقوة في تشكيل معارضة حول المشروع الاستعماري داخل بريطانيا. بمعنى آخر، لقد أسهمت المقاومة بالمحيط الخارجي في تنبيه وإثارة أجزاء داخل «الميتروبول» (أي في قلب الإمبراطورية). في هذه العملية، لم يكن ممكناً اختزال أفكار الحرية إلى مفهوم (الرئيس الأمريكي السابق) باراك أوباما حول انتصار منظومة الاستثمار الحر الذي يطلق الإمكانات الكاملة للأفراد من الرجال والنساء ممن استطاعوا إيصال أصواتهم...إلا أنه في الواقع، نادراً ما شكّل ذلك «الاستثمار الحر» أساس المطالبات بالتحرر وتقرير المصير، حتى وإن شكّلت المطالبات بالأرض والتحكم بالعمل، من الهند إلى جامايكا ومصر وكينيا، أساس الحركات التمردية. في معظم الأحيان، كانت الرأسمالية (بالذات) هدف التمرد، وليس غايته. وكانت الاشتراكية بشكل أو بآخر، في القرن العشرين طبعاً، ذات تأثير قوي وفاعل. إن تتبع خطوط التمرد والمعارضة داخل بريطانيا والطرق التي برزت بها بشكل متكرر كجزء من عملية جدلية حوارية وعبر وطنية هي إحدى الطرق التي يستطيع بها البريطانيون اليوم التساؤل في ماهية الأساطير القومية المتعاقبة التي يتعرضون باستمرار وبشكل روتيني للتسليم بها. إنه يمكّن البريطانيين من المطالبة بتاريخ مختلف وأكثر تحدياً، تاريخ يمكن أن يكون أكثر ملاءمة لمجتمع متغاير وبمكونات متباينة يمكنه الاعتماد على موارد تاريخية وثقافية متعددة. آمل أن تكون هذه الدراسة، إلى جانب دراسات أخرى، قادرة على المساهمة في تحقيق ما يجب أن يكون عملية إزالة مستمرة، عملية ضخمة، لكنها ضرورية في بريطانيا غير المتجانسة في القرن الحادي والعشرين. في ظل التساؤلات حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ إذ «كلما تقوضت» الأسطورة الإمبراطورية الاستعمارية، تظهر علامات تدل على اتكائها على أسس عميقة ومتكررة الظهور، «محسّنة الشكل وموضّبة بشكل لائق» لتعرض مرة أخرى على الشعب البريطاني.

نبذة عن الكاتبة

بريامفادا غوبال، أكاديمية في «تشرشل كولدج» في جامعة كامبردج، متخصصة بالدراسات الأنجلوفونية والآداب المرتبطة بها. بجانب أحدث كتبها «إمبراطورية متمردة.. المقاومة ضد الاستعمار والمعارضة البريطانية»، ألّفت كتابَي: «الراديكالية الأدبية في الهند: الجنوسة، الأمة والانتقال إلى التحرر» 2005 و «الرواية الإنجليزية الهندية: الأمة، التاريخ والسرد» 2009.

<br/>
منتدى معلمي الاردن

Copyright © 2009-2024 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved